قال محمد بن رشد: وإذا كان مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - قد أشفق في زمنه لما رأى من فساد الناس وقلة زعتهم. فناهيك من زمننا هذا الوادركه، وقد قال عبد الله بن مسعود: ما من عام إلا والذي بعده شر منه، يريد في فساد الناس وقلة زعتهم وكثرة الشر فيهم، وبالله التوفيق.
[معنى الحكمة والعقل]
في الحكمة والعقل قال: وسمعت مالكا يقول: وسمعت زيد بن أسلم يقول: {وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا}[الأنبياء: ٧٩] ، إن الحكمة العقل، قال مالك: والذي يقع بقلبي أن الحكمة هي الفقه في دين الله، ومما يبين ذلك أنك تجد الرجل عاقلا في أمر الدنيا ذا بصر، وتجد آخر ضعيفا في دنياه عالما في أمر دينه بصيرا به يؤتيه الله إياه ويحرم هذا، فهذه الحكمة، الفقه في دين الله.
قال محمد بن رشد: تأويل مالك أظهر؛ لأن الله عز وجل يقول:{وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}[البقرة: ٢٦٩] ، وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» ، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحمل على التفسير لقول الله عز وجل:{وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}[البقرة: ٢٦٩] ، وقد قيل: معنى "حكما وعلما" فهما وعقلا، وقيل: معناه: فهما وعلما، فيأتي في تأويل الحكم في هذه الآية ثلاثة أقوال، قيل: الفقه، وقيل: الفهم، وقيل: العقل، وفي رسم شك في طوافه بعد هذا أن الحكمة في قوله عز وجل: