قال محمد بن رشد: إنما وجب أن تغرمها إذا قبلتها فاغتلت منها قبل أن تردها؛ لأنها لما قبلتها فقد صدقتها في أنها استعارتها لها، ولو أقرت المستعيرة أنها لم تأذن لها في استعارتها لها لوجب أن يكون الضمان منها؛ لأنها كانت تكون كالرسول لها على ردها. وقوله: إن الغارمة لها هي التي يكون القول قولها في قيمتها وتحلف على صفتها - صحيح؛ لأنها هي المدعى عليها، وبالله التوفيق.
[مسألة: خرج إلى مسكين بشيء فلم يقبله]
مسألة وقال، في الرجل يسأله الرجل الشيء يعطيه إياه ويذكر له حاجته، ويقول: ائتني غدا، فيأتي بشيء يعطيه إياه ولا يجده، فقال مالك: ما أراد بذلك؟ فقيل: أراده لله، قال: فلينفذ ذلك لله على غيره، قيل له: فإن لقيه بعض إخوانه وأقاربه فسأله أن يوصله فوعده فذهب فلم يلقه؟ فقال: إن أحب أن ينفذه على مثل ذلك، فإن أبى فلست أراه عليه بواجب.
قال مالك، في السائل يقف عند الباب، فيأمر الرجل جاريته تعطيه شيئا فتجده قد ذهب، فقال مالك: أرى أن تعطيه غيره من المساكين، وما أراه عليه بواجب.
قال محمد بن رشد: ذكر ابن أبي زيد مسألة السائل يقف بالباب هذه - في النوادر، ووصل بها، قال: ومن خرج إلى مسكين بشيء فلم يقبله فليعطه غيره، وهو أشد من الأول وليس بينهما فرق بين. والمعنى الذي ذهب إليه ابن أبي زيد في الفرق بينهما، والله أعلم: هو أنه لما وجده فأبى أن يقبلها وقد كان له أن يقبلها فردها أشبه عنده بردها إليه بعد قبوله إياها، ولعله إنما ردها إليه ليعطيها لغيره، مثل أن يقول له: أنا لا حاجة لي بها فادفعها لغيري، فيكون ذلك قبولا منه لها، ويكون بذلك راجعا في صدقته، والاختيار في هذه