اتفقوا في الحدود والقصاص، على أن الشهادة لا تجوز في ذلك إلا بعد المعرفة بعدالة الشاهد، وهذا يقضي على ما اختلفوا فيه إن شاء الله. ومن أصحابنا المتأخرين من أجاز شهادة الشاهد المجهول الحال، في الشيء اليسير من المال، وهو استحسان على غير قياس، لقول الله عز وجل:{مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}[البقرة: ٢٨٢] وما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من قوله:"والذي نفسي بيده، لا يوسر رجل في الإسلام بغير العدول". وبالله التوفيق.
[مسألة: عرفوا بالغصب لأموال الناس ثم جاء إليه بوال أنصف منهم]
مسألة قلت: إن قوما عرفوا بالغصب لأموال الناس، من ذوي الاستطالة بالسلطان ثم جاء إليه بوال أنصف منهم، وأعدى بالحقوق عليهم، فربما سئل طالب الحق قبل أحدهما البينة أنه اغتصبه الذي يدعي قبله، فلا يجدها على حضور الغصب ومعاينته، وهم يشهدون أنهم كانوا يعرفون الحق للمدعي وفي يديه، إلى أن صار إلى المطلوب ذلك قبله الظالم المعروف بالغصب، لا يدرون كيف صار ذلك إليه؟ إلا أن صاحب ذلك الحق كان يشكو أنه غصبه إياه، وكانوا يسمعون ذلك من جيرانهم، أو عسى أن لا يذكروا شيئا غير أنهم عرفوا ذلك في أيدي المدعي إلى أن صار إلى المطلوب به اليوم لا يدرون كيف صار ذلك إليه، أترى أن يعدى عليه بمثل هذه الشهادة؟ فقال: إذا كان المطلوب معروفا بما وصفت من التعدي على أموال الناس والقهرة لهم عليها، وهو ممن يقدر على ذلك، رأيت الذي وصفت من شهادة الشهداء، إذا كانوا عدولا، يوجب للمدعي أخذ حقه من المطلوب إلا أن يأتي الظالم ببينة على اشتراء صحيح أو عطية ممن كان يا من ظلمه وتعديه عليه، أو يأتي بوجه حق ينظر له فيه.