قلت: أرأيت إن جاء بالبينة أنه اشترى منه، فزعم المدعي أن ذلك البيع إنما باعه منه من شدته وسطوته، وهو ممن يقدر على ضرره وعقوبته، لو امتنع من مبايعته؟ قال: أرى أن يفسخ ذلك البيع إذا ثبت عند القاضي أن المشتري موصوف بمثل ما زعم البائع من استطالته وظلمه، وأنه قد عمل ذلك بغيره.
قلت: فإن زعم البائع أنه إنما دفع إليه الثمن في العلانية، ثم دس إليه من يأخذه منه سرا، ولو لم يفعل لقي منه شرا قال: لا أرى أن يقبل قوله، وعليه دفع الثمن بعد أن يحلف الظالم بالله لقد دفع إليه الثمن ثم لم يرتجعه ولم يأخذه بعد دفعه إياه إليه.
قال محمد بن رشد: أما ما ذكره من أن الظالم المعروف بالغصب لأموال الناس والقهرة لهم عليها، لا ينتفع بحيازته مال الرجل في وجهه، ولا يصدق من أجلها على ما يدعيه من شراء أو هبة أو صدقة، وإن طال في يديه أعواما إذا أقر بأصل الملك لمدعيه أو قامت له بذلك بينة، فهو صحيح لا أعلم فيه اختلافا؛ لأن الحيازة لا توجب الملك وإنما هي دليل عليه توجب تصديق غير الغاصب فيما ادعاه من تصييره إليه؛ لأن الظاهر أنه لا يحوز أخذ مال أحد وهو حاضر لا يدعيه ولا يطلبه إلا وقد صار إلى الذي هو بيده إذا حازه في وجهه العشرة الأعوام ونحوها، لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من حاز شيئا عشر سنين فهو له» معناه عند أهل العلم بدعواه مع يمينه، وأما الغاصب فلا دليل له في كون المال بيده وإن طالت حيازته له في وجه صاحبه، لما يعلم من غصبه لأموال الناس والقهرة لهم عليها. وأما إن أثبت الغاصب الشراء ودفع الثمني، فادعى البائع أنه أخذه منه في السر بعد أن دفعه إليه، فهو مدع لا دليل له على دعواه، فوجب أن يكون القول قول الغاصب المدعى عليه، كما قال في