قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله في الوجهين جميعا؛ لأن الذي ذهب يعلمه العوم غره بما فعل، فوجب عليه الضمان بتسريحه إياه حين خشي على نفسه الموت، وهو من الخطأ، فقوله فذلك عليه يريد الدية على العاقلة والله أعلم، وأما الذي طلب الغريق لينجيه فلما خشي على نفسه سرحه فلم يغره بشيء، وإنما أراد الخير فيما فعل فلم يكن في تسريحه شيء، إذ لو لم يطلبه ولا أخذه لغرق أيضا، فلم يضره فيما فعل وبالله التوفيق.
[مسألة: يقتل فيوجد بمكة فيقوم أولياؤه أترى أن يقتل في الحرم]
مسألة وعن الرجل يقتل فيوجد بمكة فيقوم أولياؤه أترى أن يقتل في الحرم؟ وقد قال تعالى:{وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}[آل عمران: ٩٧] قال: نعم يقتل ولا ينتظر به الفراغ من حجه والحرم أحق ما أقيم فيه حدود الله.
قال محمد بن رشد: مثل هذا ما تقدم من قول مالك في آخر سماع أشهب، ولا أحفظ فيه اختلافا بين أحد من فقهاء الأمصار، وقول الله تعالى:{وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}[آل عمران: ٩٧] إنما هو إخبار عما كان في جاهليتهم على ما قاله أهل التفسير، لو أن رجلا جرح حرة ثم لجأ إلى الحرم لم يطلب ولم يتناول، فأما في الإسلام فإن الحرم لا يمنع من حد، من قتل قتل ومن أصاب حدا أقيم عليه، قال الحسن: أصابه فيه أو في غيره، وروي عن ابن عباس أنه قال: إذا أصاب الرجل الحد في الحرم أقيم عليه، وإن أصابه في غيره ثم لجأ إليه فإنه لا يكلم ولا يجالس ولا يؤوى حتى يخرج منه فيؤخذ فيقام عليه الحد، وقيل إنه إذا لجأ إليه أخرج منه فأقيم عليه وبالله التوفيق.