قال محمد بن رشد: هذا من المجاز على غير حقيقة اللفظ، لأن عدد أمعاء الكافر والمؤمن سواء، فإنما هو مَثَلٌ ضربه في قلة الأكل من كثرته، على سبيل الاستعارة. وهو كثير. من ذلك قوله عز وجل:{وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا}[مريم: ٤] واختلف في تأويله، فقيل: إنه على ظاهره في مقدار أكل المؤمن من أكل الكافر، ومعناه: في الرجُل بِعَيْنِهِ الَذِي ضَافَ النَّبيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وهُوَ كَافِرٌ، فَأمَرَ لَهُ النَّبيُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَاةٍ فَحُلِبَتْ فَشَرِبَ حِلَابَهَا ثَمّ بِأخْرَى فَشَرِبَه، ثُمَ بِأخْرَى فَشَرِبَهُ، حًتّى شَرِبَ حِلَابَ سَبْع شِياهٍ، ثمَ إِنَّهُ أصْبَحَ فَأسْلَمَ فَأمَرَ لَهُ رَسُولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَاةٍ، فَحُلِبَتْ فَشَرِبَ حِلَابَهَا، ثُمَّ أمَرَ لَهُ بِأخْرَى فَلَمْ يَسْتَتمَّها فقال ذلك القول، فكان مقصوراً على ذلك الرجل الذي كان سببه، ولم يكن على عمومه في كل مسلم وكافر، وقيل: ليس على ظاهره في مقدار أكل المؤمن من أكل الكافر إذ قد يكون الكافر قليل الأكل، والمؤمن كثير الأكل، وقد كان يطرح لعمر صاع من تمر فيأكله، حتى يأكل حشفه، وَمَن يُساويه في جودة الإيمان؟ وإنما معناه: إِنَّ الكافر يرغب في الدنيا ويستكثر منها، ولا يؤثر على نفسه، إذ لا يعتقد القربة بذلك، والمؤمن يدخر فيها، ولا يستكثر منها، ويطوي بطنه عن جاره، ويؤثره على نفسه، أي إن هذا هو فعل المؤمن الممدوح إيمانه، وهذا أولى ما قيل في تأويل الحديث. وقد قيل: المعنى فيه إِن المسلم يسمي اللَّه تعالى على طعامه ليضع له البركة به، والكافر لا توضع له البركة في طعامه أي لا يسمي اللَّه عز وجل واللَّه أعلم.
[ما جاء في أنَّ الحُمّى مِنْ فَيْح جَهَنَّمَ]
في أنَّ الحُمّى مِنْ فَيْح جَهَنَّمَ قال مالك: عَن نَافِعٍ عَن ابن عُمَرَ إِنَّ النَّبيً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ