وقول مالك في هذه الرواية أولى الأقوال بالصواب من جهة النظر؛ إذ يبعد إجازة تعليق تميمة لا ذكر لله فيها في حال من الأحوال، ولا وجه من طريق النظر للتفرقة فيما كان منها بذكر الله بين الصحة والمرض إلا اتباع قول عائشة في ذلك، إذ لا تقوله رأيا، والله أعلم. وقوله الثاني أتبع للأثر؛ لاستعمال الآثار كلها بحمل النهي على ما ليس فيه ذكر الله تعالى، وقول عائشة على ما كان منها بذكر الله، وبالله تعالى التوفيق.
[مسألة: صلى خلف رجل فلما قضى صلاته وجد منه ريح نبيذ]
مسألة وسئل عمن صلى خلف رجل، فلما قضى صلاته وجد منه ريح نبيذ، فقال: إن كان لم يستنكر شيئا من عقله ولا صلاته فلا أرى أن يعيد، لعله نبيذ لا بأس به.
قال محمد بن رشد: قوله: إن كان لم يستنكر شيئا من عقله ولا صلاته فلا أرى أن يعيد، يدل على أنه لو استنكر شيئا من ذلك لوجبت عليه إعادة الصلاة، وذلك صحيح؛ لأن السكران لا تجوز صلاته لنفسه، إذ لا تصح منه نية؛ لذهاب عقله، فلا تجوز صلاته لغيره، فمن صلى خلفه أعاد، قاله مالك في " المدونة ". وفي هذا الرسم متصلا بهذه المسألة في بعض الروايات يعيد في الوقت وبعده، قاله سحنون وأصبغ، وفي قوله: لعله نبيذ لا بأس به دليل على أنه لو تيقن أنه نبيذ مسكر لوجبت عليه الإعادة وإن لم يكن سكر منه، وهذا صحيح على أصل مذهبه في أن ما أسكر كثيره من الأشربة فقليله حرام كالخمر، يجب فيه الحد وإن لم يبلغ به حد السكر، وتسقط به شهادته، ويجب على من ائتم به إعادة صلاته كمن أتم بشارب الخمر على ما قال ابن وهب في سماع عبد الملك أو بفاسق معلن بالفسق من أجل أنه لا يؤتمن على ما لا تصح الصلاة إلا به من الوضوء والنية وشبه ذلك، ولا يراعى في ذلك مذهب أهل العراق فيعذر أحد به؛ لبعده عن الصواب ومخالفته لما صح وثبت من الآثار، وبعده في النظر والاعتبار.