للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من قول أصحابنا أنه يعتبر شعره، فإن كان فيه تعريض القذف حد، فكأنه تأول عن مالك أنه لا يحد الشاعر إذا عرض في شعره بقذف المرأة، وليس ذلك بتأويل صحيح؛ لأنه قد نص على أنه يحد إذا كان الشيء البين جدا، وإنما شرط ألا يحد حتى يكون الشيء البين جدا؛ لأن للشعراء في أشعارهم استعارات لطيفة ومجازات بعيدة، فلا يتأول عليهم في شيء منها القصد إلى الحقيقة إلا أن يكون ذلك أمرا بينا، فليس قوله بخلاف لأصله في إيجاب الحد في التعريض بالقذف؛ لأنه لا يرى ذلك إلا في التعريض البين الذي يرى في أنه أراد بذلك القذف، لا في الكلام المحتمل، ألا ترى أنه لم ير العمل على فعل مروان في جلده الحد لقائل: إن أمك لتحب الظلم؛ لاحتمال الكلام غير القذف حسبما مضى من قولنا في رسم طلق، فكذلك إذا كان كلام الشاعر في شعره محتملا أن يكون أراد به القذف وألا يكون أراد به القذف لم يحد.

[مسألة: قال لعربي يا مولى أو يا عبد]

مسألة وسئل عن رجل قتل أخوه فجاء أخو القاتل وهو عربي يكلمه في ذلك وهو مغضب فقال له: تنح عني أيها العبد وهو ابن لسوداء أو سندية، ثم قال لم أرد نفيه، وإنما أردت سواده ولونه أترى عليه حدا؟ فقال إني لأرجو ألا يكون ذلك عليه إن شاء الله، قيل له: أترى عليه اليمين ما أراد نفيه؟ قال: ذلك أدنى ما عليه إن لم يكن عليه غير ذلك هو أدنى ما عليه.

قال محمد بن رشد: هذا خلاف قوله في المدونة: إنه من قال لعربي: يا مولى أو يا عبد، أنه يحد، بخلاف إذا قال لمولى: يا عبد، وإنما فرق في المدونة بين أن يقول ذلك للعربي أو للمولى؛ لأن العبيد والموالي من العجم، فإذا قال للعربي يا مولى أو يا عبد فقد قطع نسبه؛ لأن ذلك بمنزلة أن يقول له يا عجمي، فما في المدونة أظهر من هذه الرواية، ويحتمل أن يفرق

<<  <  ج: ص:  >  >>