والرجل وسابقته. وظاهر قول عمر هذا: لئن بقيت إلى قابل، لألحقن أسفل الناس بأعلاهم، إنه رجوع منه عن مذهبه الذي كان يسير به من تفضيل أهل السوابق والفضل في العطاء على من لا سابقة له في العطاء، ولا فضل معلوم، إلى مذهب أبي بكر في المساواة بينهم. وذهب ابن حبيب إلى أن معنى قوله عنده التسوية على جميع الناس من المال، حتى يصير نصيب أدنى المسلمين لكثرة ما أفاء اللَّه به عليهم، مثل ما يصيب أعلاهم منه، يوم قال هذا القول، ولم يرد أن يرد الأعلى إلى الأسفل، وإنما تأول قوله على هذا، لأنه اختار مذهبه على مذهب أبي بكر وأخذ عثمان بِفعْل عمر، وأخذ علي بالعراق بفعل أبي بكر، ساوى ولم يفضل، ثم وليَ عمرُ بن عبد العزيز، فأخذ في ذلك باْلأمْرَينِ جميعاً، وذلك أنه فرض العطاء، ففاضل فيه بين الناس على قدر شرفهم، ومنازلهم في الإِسلام، وقسم قسمين على العامة على غير ديوان العطاء، فساوى بين الناس في ذلك، واختار مالك فعل أبي بكر الصديق. فقال: يبدأ بالفقراء ثم يساوي بين من بقي، إلا أن يشاء الإِمام أن يحبسه لنوائب الِإسلام. ومعنى قوله: يساوي بينَ من بقي، أن يعطي الصغير قدر ما يغنيه، والكبير قدر ما يغنيه، والمرأة قدر ما يغنيها، فإن فضل شيء ورأى الِإمام أن يحبسه لنوائب الإِسلام حبسه وإن رأى أن يرده عليهم رده. وقال: قد يُجيز الإمام الرجل بالجائزة، لوجه يراه قد استحق به الجائزة. وباللَّه التوفيق.
[إقادة الإِمام من نفسه]
في إقادة الإِمام من نفسه
قال: وبلغني أن عمر بن الخطاب ضرب رجلًا بالدِّرَة، ثم قال عمر للرجل: اسْتَغْفِرْ لِي، فقال الرجل: أنت استغفر لي، فأنا ظالم، ثم قال عمر: أولا عِلْمَ لَكَ بِنَزَوَاتِ الْإِمَارَةِ أوِ الْمُلْكِ؟ قال مالك: حدثني عاصم بن عبيد اللَّه بن عاصم، أنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، نَزَلَ يَوْماً بِطَرِيقِ مَكَّةَ تَحْتَ شَجَرَةٍ، فَلَمَّا اشْتَدَّت