ترجى له حجة؛ لأنه قد أعذر إلى الوكيل الذي أقيم له، فكان ذلك كالإعذار إليه، خلاف ما ذهب إليه ابن القاسم أنه لا يقام له وكيل، ويكون على حجته، وكذلك على مذهبه يقيم للغائب المحكوم عليه في غير الأصول وكيلا يعذر إليه، فلا تكون له حجة إذا قدم، وقول ابن القاسم أظهر؛ لأن الوكيل المقدم له قد يجهل وجوه منافعه، فيكون الضرر الداخل عليه بانقطاع حجته إذا قدم أكثر من انتفاعه بالدفع عنه، وبالله التوفيق.
[: القاضي يشهد على قضاء قضائه وهو معزول أو غير معزول أتقبل شهادته]
ومن كتاب القضاء المحض قال أصبغ: وقال لي ابن القاسم في القاضي يشهد على قضاء قضائه وهو معزول أو غير معزول، أو يرفعه إلى إمام غيره: إن شهادته لا تقبل، ولا يجوز ذلك القضاء إلا بشهيدين عليه، غيره أنه قد قضى به، وقاله أصبغ.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة وقعت في بعض الروايات، وهي مسألة صحيحة، وفيها معنى خفي، وهو أن قول القاضي وهو على قضائه: حكمت لفلان بكذا لا يصدق إذا كان يعني الشهادة. قوله مثل أن يتخاصم الرجلان عند القاضي فيكون من حجته أن يقول: قد حكم لي قاضي بلد كذا وكذا بكذا وكذا، فيسأله البينة على ذلك، فيذهب إليه فيأتيه من عنده بكتابه: إني قد حكمت لفلان على فلان بكذا وكذا، أو أنه قد ثبت عندي لفلان على فلان كذا وكذا، فلا يجوز هذا، من أجل أنه على هذا الوجه شاهد. ولو أتى الرجل ابتداء إلى القاضي، فقال له: خاطب لي قاضي بلد كذا بما ثبت لي عندك على فلان، أو بما حكمت لي به عليه، فخاطبه بذلك؛ لجاز من أجل أنه مخبر، وليس بشاهد، كما يجوز قوله، وينفذ فيما يسجل له على نفسه ويشهد من الأحكام ما دام على قضائه.