قال محمد بن رشد: تفسير مالك للحفدة أنهم الخدام والتباع صحيح بين، وقد روي عن ابن مسعود أنه قال: الحفدة الأختان، وليس ذلك بمخالف لما قاله مالك لأن الأختان من الخدمة والتباع لأنهم يتصلون به بسبب الصهر فيحفون به ويشاركونه في أموره ويعينونه فيها، ومعنى الآية في قوله:{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً}[النحل: ٧٢] . إن الله عدد نعمته على خلقه بأن خلق من الرجال النساء، وأصل ذلك أن خلق حواء من آدم، فجعل النساء أزواجا للرجال يسكنون إليهم، ويكون لهم منهن البنون والأنسال، يكون منهم التباع والخدمة والعبيد والأعوان؛ لأن الناس يخدم بعضهم بعضا، قال تعالى:{نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا}[الزخرف: ٣٢] وهي حكمة عظيمة في عمارة الدنيا، وعبرة ظاهرة لمن اعتبر، إذ لا يقوم حال أحد بنفسه، ولا يصل النفع إليه الذي به حياته إلا بعمل غيره من حرث وحصد ودرس وطحن وخبز وطبخ، والحرث لا يكون إلا بالآلات، يخدم في عملها الجماعات، وكذلك الخبز والطحن والطبخ، إذ لا بد لذلك كله من الآلات يعملها الجماعات، فلا يحصي أحد عدد ما يخدمه من البشر في اللقمة التي يأكل أو في الثوب الذي يلبس إلا الله عز وجل، فالفكرة في هذا وشبهه والاعتبار فيه وشكر الله تعالى عليه من أعظم العبادات.
[ما جاء في معاذ بن جبل]
قال مالك: بلغني أن معاذ بن جبل أمام العلماء برتوة.
قال محمد بن رشد: الرتوة الدرجة، وإنما يتقدمهم بالدرجة