قال محمد بن رشد: قوله نعم؛ يريد أن ذلك يجزيه من غسله إذا فعل بالشرطين اللذين وصف، لا أنه يبيح ذلك ابتداء لوجهين، أحدهما: الاغتسال في الماء الدائم للحديث الوارد في ذلك على ما تقدم له في أول مسألة من هذا الرسم وفي غير ما موضع، والثاني: كراهية الاغتسال بالماء السخن من الحمام، فقد قال في سماع أشهب: والله ما دخول الحمام بصواب، فكيف يغتسل من ذلك الماء؟ وبالله التوفيق.
[مسألة: المسح على الخفين في الحضر أيمسح عليهما]
مسألة وسئل عن المسح على الخفين في الحضر أيمسح عليهما؟
فقال: لا، ما أفعل ذلك. ثم قال: إني لأقول اليوم مقالة ما قلتها قط في جماعة من الناس: قد أقام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمدينة عشر سنين، وأبو بكر وعمر وعثمان خلافتهم، فذلك خمس وثلاثون سنة، فلم يرهم أحد يمسحون. قال: وإنما هي [هذه] الأحاديث. قال: ولم يروا يفعلون ذلك، وكتاب الله أحق أن يتبع ويعمل به.
قال محمد بن رشد: كان مالك أول زمانه يرى المسح في السفر والحضر، ثم رجع فقال: يمسح المسافر ولا يمسح المقيم، ثم قال أيضا: لا يمسح المسافر ولا المقيم. والصواب الذي عليه جمهور الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين إجازة المسح في السفر والحضر. وقد روى عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المسح على الخفين نحوُ أربعين من الصحابة، وروي عن الحسن البصري أنه قال: أدركت سبعين من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمسحون على الخفين. وروي عنه أنه قال: أجمع أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أنه من لم ير المسح على الخفين يجزئه حتى يخلعهما فيغسل رجليه لم تجاوز صلاته أذنيه