عمل ذلك في مساجد الأمصار؟ فقال: أما كل بلد فيه تمر فلا أرى بذلك بأسا. قال ابن القاسم ولم ير مالك بأسا. بأكل الرطب التي تجعل في المسجد مثل رطب ابن عمير وقد جعل صدقة. وفي هذا دليل على أن الغرباء الذين لا يجدون مأوى يجوز لهم أن يأووا إلى المسجد ويبيتوا فيها ويأكلوا فيها ما أشبه التمر من الطعام الجاف كله. وقد مضى هذا المعنى في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة وفي غير ما موضع، وبالله التوفيق.
[حديث عبد الله بن عمرو في الفتنة]
في حديث عبد الله بن عمرو في الفتنة
قال:«وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعبد الله بن عمرو بن العاص: كيف بك إذا بقيت في حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم فاختلفوا فكانوا هكذا، وشبك بين أصابعه. قال: فكيف بي؟ قال عليك بخاصتك وإياك وعوامهم» .
قال محمد بن رشد: وقع هذا الحديث في سماع أشهب من كتاب التجارات إلى أرض الحرب بزيادة فيه: قال لي «فانظر لنفسك وعليك بالبين المحض» . وفي هذا الحديث علم جليل من أعلام النبوءة، لأنه أعلم فيه عبد الله بن عمرو بن العاص بما يكون بعده من الفتن، وحذره ألا يدخل منها في مشكل. وقد دخل فيها بما أداه إليه اجتهاده مع عزم أبيه عليه في ذلك، وقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أطع أباك» فشهد مع معاوية حرب صفين على ما ذكرناه قبل هذا في هذا الرسم: ثم ندم بعد ذلك لما ظهر إليه من البصيرة في خلاف رأيه الأول، فاستغفر الله عز وجل من ذلك مخافة أن يكون