على ذلك ولو ادعى أنه أراد عدد القرص لا قدرها لم ينو في ذلك إلا أن يأتي مستفتيا، ولو قال قائل: إنه لا ينوي في الفتوى أيضا لبعد النية في ذلك لكان قولا، فقد قيل في الذي يحلف ألا يشرب الخمر فيقول: إنما أردت خمر العنب إنه لا ينوي في قضاء ولا فتيا، وقد مضى ذلك في رسم تسلف من سماع عيسى، وبالله التوفيق.
[مسألة: حلف ألا يأكل خبزا وإداما فأكل خبزا وملحا]
مسألة قال أصبغ: سمعت أشهب في من حلف ألا يأكل خبزا وإداما فأكل خبزا وملحا، قال: هو حانث وسواء كان الملح محضا أو مطيبا. قال محمد بن رشد: لم يره في الواضحة إداما يحنث به؛ قال: وإنما يحنث بكل ما يثبت معرفته عند الناس إنه إدام كان مما يطبخ به كالسمن والزيت والودك أو مما لا يطبخ به كالزيتون والجبن والحلوم وشبه ذلك، وإن ابن حبيب تكلم على ما يُعرف بالأندلس من أن الملح الحريش أو المطيب لا يأتدم الناس به، وتكلم أشهب على ما يعرف بمصر وغيرها من بلاد المشرق، وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أنه لا يكون إداما إلا ما يطبخ فيه، حتى قالا: إن الشواء واللحم ليس بإدام، واستدلوا بقوله، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «نعم الإدام الخل» ، وبقوله:«اتدموا بالزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة» وهذا بعيد، فقد روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«اللحم سيد إدام الدنيا والآخرة» ، وذهب محمد بن الحسن إلى أن كل ما يؤكل الخبز به ويستطاب فهو إدام، واستدل بما روي من «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذ كسرة من خبز من شعير فوضع عليها تمرة، فقال: هذه إدام هذه» ، فأكلها - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقوله صحيح على القول بأن الحالف إن لم تكن له نية يحنث بما يقتضيه لفظه ولا يراعى مقصده، فوجب إذا حلف الرجل ألا يأكل خبزا وإداما فأكل خبزا بشيء مما يستطاب به