كذا وكذا إذ اخبره بما كان وقع في قلبه من أن الشجرة التي مثلها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالرجل المسلم وسأل أصحابه عنها فوقعوا في شجر البوادي، هي النخلة، قال مالك: فأي شيء هذا إلا هذا وإنما هذا أمر يكون في القلب لا يملك، وذلك من وسوسة الشيطان ليمنعه من العمل، فمن وجد ذلك فلا يشغله عن التمادي عن فعل الخير ولا يؤيسه من فعل الخير، وليدفع الشيطان من نفسه ما استطاع ويجرد النية لله، فإن هذا غير مؤاخذ به إن شاء الله روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال:«تجاوز الله لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم ينطق به لسان أو يعمل به يد» .
وهذا الحديث يروى عما حدثت به أنفسها بالنصب وعما حدثت به أنفسها بالرفع، والصحيح في المعنى رواية من روى أنفسها بالنصب، والمعنى في ذلك أن الله تجاوز لأمة نبيه صلى الله عليه وسلم عما حدثت به أنفسها ما يقصد منها إلى ذلك واكتساب له؛ لأن التجاوز إنما يكون فيما لو لم يتجاوز عنه لأخذوا به وأما ما حدثت به أنفسها من الخطرات الغالبة لهم التي لم يكن منهم فيها اكتساب لها ولا قصد إليها فليسوا بمؤاخذين بها، قال عز وجل:{لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}[البقرة: ٢٨٦] ، وبالله التوفيق.