فيها جنب، أيجزيه الغسل؟ قال: لا؛ لأنه هو نجس. قيل له: فإن كان لا يغتسل فيها جنب ولا نصراني؟ قال: فلا بأس بالوضوء منها، وإن كانت الكلاب تشرب منها، وإن كانت الخنازير تشرب منها، فلا يتوضأ منها.
قال محمد بن رشد: قوله في الحياض التي من شأنها أن يغتسل فيها الجنب والنصراني: إنها نجسة لا يتوضأ منها، ولا يجزي أحدا الغسل فيها صحيح، لما يغلب على الظن من حصول النجاسة الكثيرة فيه، وإن لم يتبين تغير أحد أوصافه عن ذلك. ومثل هذا في الواضحة. ولمالك في رسم "حلف ألا يبيع سلعة سماها " من سماع ابن القاسم في بعض الروايات من هذا الكتاب. وقوله: إنه لا بأس بالوضوء منها، وإن كانت الكلاب تشرب منها صحيح أيضا؛ لقول عمر بن الخطاب للذي سأله عمرو بن العاص، هل ترد حوضه السباع: لا تخبرنا يا صاحب الحوض، فإنا نرد على السباع، وترد علينا، ولقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لها ما أخذت في بطونها، ولنا ما بقي شرابا وطهورا» .
والكلب أيسر مؤنة من السباع، إذ قد قيل: إنه محمول على الطهارة حتى يوقن أن في فيه نجاسة، وإن أمر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بغسل الإناء سبعا من ولوغه فيه: إنه تعبد لا لنجاسة. وأما قوله: وإن كانت الخنازير تشرب منها فلا يتوضأ منها فهو بعيد، إذ لم يفرق النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين الخنزير وغيره من السباع في قوله:«لها ما أخذت في بطونها، ولنا ما بقي شرابا وطهورا» ، ولا فرق عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بين ذلك أيضا في قوله لصاحب الحوض، لا تخبرنا، فإنا نرد على السباع وترد علينا. ولو كان الخنزير يفترق في ذلك من سائر السباع لسألا صاحب الحوض عن ذلك، ولبينا الحكم في ذلك، والله أعلم.