مسألة وسئل عن رجل أتى بشاهدين يشهدان أن له على فلان عشرين دينارا، وجاء المشهود عليه بشاهدين يشهدان أن هذا المدعى عليه أقر عندنا منذ أشهر أن ليس له قبل فلان شيء، ولا يدري الشاهدان اللذان شهدا على الحق أقبل هؤلاء الشهود أم بعد؟ قال: أرى أن يقضي بشاهدي المطلوب، قيل له: فإن لم يعلم شاهدا المطلوب، ولا شاهدا الطالب متى شهدوا هؤلاء قبل هؤلاء، أم هؤلاء قبل هؤلاء؟ قال: يقضى بشهداء المطلوب.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن المطلوب لم ينكر العشرين، لكنه أقر بها، وادعى البراءة منها، واستظهر على ما ادعاه بإقرار الطالب أنه لا شيء له عنده، فالطالب يقول: إنما أقررت له بأنه لا شيء له عندي قبل أن يجب لي عليه العشرون، والمطلوب يقول: إنما أقر بذلك لبراءتي منها إليه بعد وجوبها له علي، فقيل: القول قول المطلوب، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية؛ لأن قوله يقضى بشاهدي المطلوب، معناه يقضى بأن يكون القول قول المطلوب من أجل شهادة شاهدين، وقيل: القول قول الطالب، وهو الذي يأتي على قول ابن نافع في سماع يحيى من كتاب الدعوى والصلح، وهذا إذا كانت بينهما مخالطة، ولو لم تكن بينهما مخالطة؛ لكان القول قول المطلوب قولا واحدا، ولو كان له قبله حق قديم غير هذا؛ لكان القول قول الطالب قولا واحدا، بدليل ما في سماع أشهب من كتاب الوديعة، ووجه القول الأول هو أن إقرار الطالب أنه لا حق له قبله دليل على أنه قد استوفى حقه منه؛ إذ لا يشهد أحد بأنه لا حق له عند من لم يكن قط عنده حق، ووجه القول الثاني: أن الدين قد وجب على المطلوب بإقراره على نفسه، فلا يسقط عنه إلا بيقين، وهو الأظهر، وكذلك إذا أقر المطلوب بعشرين، وأتى ببراءة بعشرين فقال: هي العشرون التي أقررت لك بها، وقال الطالب: بل هي غيرها، يكون القول قول الطالب إن كان له قبله غيرها، والقول فيها قول المطلوب إن لم يكن كان له قبله