قال محمد بن رشد: إنما قال: إنه لا يجب عليه الهدي إلا أن يموت بعد الجمرة؛ لأنه إنما يجب بالوقت الذي يتيقن فيه نحره، وهو رمي الجمرة، فإذا مات قبل الوقت الذي يتيقن فيه نحره، فقد مات قبل أن يجب عليه، وإنما قال ابن القاسم: إنه يكون في رأس ماله، وإن لم يوص به، إذا لم يفرط بخلاف الزكاة إليها لم يفرط فيها، ولم يوص بها؛ لأن الهدي لو أهداه لم يخف، إذ من شأنه أن يقلد ويشعر ويساق من الحل إلى الحرام فينحر به، فليس ذلك مما يفعل سرا كالزكاة التي يمكن أن يكون لم يوص بها، من أجل أنه قد أداها سرا من حيث لا يعلمون، وقد قال تعالى:{إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا}[البقرة: ٢٧١] الآية، فلعله قصد إلى ما هو خير له من الاستمرار بأداء زكاته، فتفرقة ابن القاسم بين المسألتين أظهر من مساواة سحنون بينهما، ألا ترى أنهم لا يختلفون في وجوب إخراج الزكاة من الزرع الذي يموت عنه صاحبه، وقد بدا صلاحه، وإن لم يوص بإخراج الزكاة عنه للعلم بأن صاحبه لم يؤد زكاته، وأشهب يرى إخراج زكاة المال الناض على الورثة واجبا، وإن لم يوص الميت بإخراجها، إذا مات عند وجوبها، ولم يفرط، وبالله التوفيق.
[مسألة: يعتمر من أفق من الآفاق في أيام التشريق]
مسألة وسئل عن الرجل يعتمر من أفق من الآفاق في أيام التشريق، قال: لا بأس بذلك؛ لأن هؤلاء إنما يحلون بعد ذلك، فلا أرى هذا مثل من يعتمر في أخر أيام التشريق من الحاج قبل أن تغيب الشمس، هذا لا يعجبني.