يخرج من السوق، ولا يرجع إليه حتى تظهر توبته وتعرف، صحيح إذ لم يخرج من السوق أدبا له، وإنما أخرج لقطع ضرره عن الناس؛ إذ قد أدب فلم ينفع فيه الأدب، وأما إذا أخرج عنه أدبا له من غير أن يكون معتادا للغش على ظاهر قول مالك هذا، فلا يمتنع أن يرد إليه بعد مدة يرجى أن يكون قد تأدب بها، وإن لم تظهر منه توبة.
قال بعض أهل النظر: وإنما يؤدب الغاش بالإخراج من السوق إذا كان لا يمكن أن يرجع إليه دون أن يعرف، وأما إذا كان يمكن أن يرجع إليه، ولا يعرف ذلك لاتساع السوق؛ فإنه يؤدب بالضرب، والأصل في إخراج المعتاد بالغش عن السوق ما جاء من أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كتب إلى أمير الأجناد ألا يتركوا النصارى بأعمالهم في أسواق المسلمين جزارين ولا صرافيين؛ لأنه يخشى من المعتاد للغش أن يغش المسلمين بما ظهر من استباحته له، كما يخشى من النصراني أن يربي مع المسلمين بما يعلم من استحلاله له، وقد قال سحنون قياسا على قول عمر بن الخطاب: إنه يمنع من السوق من لا يبصر البيع من المسلمين حياطة له وللمسلمين، فالذي يغش المسلمين، وقد اعتاد ذلك، وأدب عليه، فلم يردعه الأدب أحق بذلك وأولى، وبالله التوفيق.
[مسألة: نهي الناس عن التزوج على الشروط والاكتفاء بالدين والأمانة]
مسألة قال مالك: أشرت على قاض منذ دهر أن ينهى الناس أن يتزوجوا على الشروط، وألا يتزوجوا إلا على دين الرجل وأمانته، وأنه كان كتب بذلك كتابا، وصيح به في الأسواق وعابها عيبا شديدا.
قال محمد بن رشد: يريد الشروط اللازمة بيمين كطلاق الداخلة،