وتقول: في نفسي كلام أريد أن أعلمك به، فحقيقة كلام الرجل هو المفهوم من كلامه، وأما الذي يسمعه منه فهو عبارة عنه، وكذلك كلام الله عز وجل القديم الذي هو صفة من صفات ذاته هو المفهوم من قراءة القارئ لا نفس قراءته التي تسمعها؛ لأن نفس قراءته التي تسمعها محدثة لم تكن حتى قرأها فكانت، وهذا كله بين إلا لمن أعمى الله بصيرته عن الحق، وبالله التوفيق.
[بر الرجل بأمه]
في بر الرجل بأمه
قال مالك: بلغني أن طلق بن حبيب كان برا بأمه وأنه لم يتقدمها قط في مسير، ولم يكن قط في أعلى منزل وهي أسفل منه، وأنه دخل عليها يوما فإذا هي تبكي من امرأته، فقال لها: فيم أبكتك؟ فقالت له: يا بني أنا أظلم منها، وأنا بدأتها، قال: لقد صدقت ولكن لا تطيب نفسي أن أحبس امرأة بكيت منها، وأنه وسعيد بن جبير ورجالا كانوا معهم طلبهم الحجاج فدخلوا الكعبة فأخذوا منها فقتلهم الحجاج.
قال محمد بن رشد: فعل طلق بن حبيب هذا نهاية منه في البر بأمه امتثالا منه لما أمر الله به من ذلك، قال الله عز وجل:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}[الإسراء: ٢٣] أي أمر ألا تعبدوا إلا إياه، وأمر بالوالدين إحسانا أي برا {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ}[الإسراء: ٢٣] . قال مجاهد: إن بلغا أن يخريا أو يبولا فلا تقذرهما كما كانا لا يقذرانك وأنت صغير، {وَلا تَنْهَرْهُمَا}[الإسراء: ٢٣] وإن وجدت منهما ريحا يؤذيك فلا تقل لهما أف، والأظهر أن معناه ولا تنفخ إن رأيت ما تكره، إظهارا منك لهما أنك تكره ذلك منهما، ومعنى وقل لهما قولا كريما أي لينا سهلا وقال عروة بن الزبير في قوله:{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ}[الإسراء: ٢٤]