فرآها كالعطية على غير عوض، وعلى هذا اختلفوا في الرجل يعطي امرأته النصرانية داره على أن تسلم، فتسلم، هل هي ثمن لإسلامها فلا يحتاج فيها إلى حيازة؟ أو عطية تفتقر إلى حيازة؟ وحكى ابن حبيب في ذلك القولين.
ومن هذا المعنى المسألة الواقعة في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم من كتاب الصدقات والهبات، قوله: احلف لي أنك لم تشتمني ولك كذا وكذا، فيدخل فيه القولان، ورأى ذلك ابن الماجشون جعلا على ما لا منفعة فيه للجاعل فاحتج به لمذهبه في جواز ذلك، والصواب أن له فيه منفعة وهي تطييب نفسه من جهته فلا حجة له في ذلك، وكان الأظهر في مسألة الكتاب أن تجب له المائة، تقادم الأمر أو لم يتقادم، لقوله فيها: إذا بدا لك؛ لأن إذا ظرف لما يأتي من الزمان. ولو علق العطية بالتزويج دون الطلاق فقال له: إن تزوجت فلك داري الفلانية، أو: فلك قبلي كذا وكذا، لكان ذلك أمرا لازما له في الحياة والموت، لا يحتاج فيه إلى حيازة باتفاق إن تزوج بالقرب على هذه الرواية، ولو قال له: إن تزوجت فأنا أعطيك كذا وكذا، لكانت عدة على سبب يجري على الاختلاف في ذلك، وبالله التوفيق.
[مسألة: العبد يكون بيده المال لسيده فيقول له اشتر جارية لنفسك تطؤها]
مسألة وسئل عن الذي يكون له العبد ويكون بيده المال لسيده فيقول له: اشتر جارية من المال الذي في يديك لنفسك تطؤها، قال مالك: لا يصلح هذا إلا أن يهب له المال قبل ذلك.
قال محمد بن رشد: قال ههنا: إلا أن يهب له المال قبل ذلك، وقال في رسم الطلاق الأول من سماع أشهب: إلا أن يسلفه الثمن قبل ذلك، وذلك سواء، يحل له وطء الجارية بأي الوجهين كان، لأن الجارية تصير ملكا له إذا اشترها بماله الذي وهب له سيده أو أسلفه إياه، وأما إذا اشتراها بمال السيد فلا يصلح له وطؤها وإن قال له: اشترها لنفسك تطؤها؛ لأن قوله: اشترها لنفسك تطؤها، بمنزلة قوله: اشترها لتكون لك للوطء، فهي باقية على ملكه حتى يهبها له بعد الشراء هبة صحيحة.