عام الفتح، وكتب للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ثم لأبي بكر، واستكتبَه أيضا عمر، واستعمله على بيت المال وعُثمان بعده أيضاً سنين حتى استعفاه من ذلك فأعفاه. وروي أنه أعطاه ثلاثمائة درهم، فأبى أن يأخذها. وقال: إنما عملت للًه، وإنما أجري على اللَّه.
وروى ابن وهب عن مالك قال: بلغني أن عُثمان أجاز عبد الله بن الأرقم، وكان له على بيت المال بثلاثين ألفاً، فأبى أن يقبلها. وروي: أنه بلغ من أمانته عند رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان يأمره أن يكتب إلى بعض الملوك فيكتب، ويأمره أن يطبعه ويختمه من غير أن يقرأه النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لأمانته عنده.
[أشد البَلاءِ مَا هو]
في أشد البَلاءِ مَا هو؟ قال مالك: كان يقال: من أشد البلاء الِإملاء في المعاصي.
قال محمد بن رشد: هذا بيِّن شهد له قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا}[آل عمران: ١٧٨] فلا شيء أشدُ على العبد من الازدياد في الِإثم الموجب لسخط الرب؛ لأن العبد إذا ابتلي في ماله أو جسمه، إِن رضي بقدر اللَّه وصبر واحتسب - أُجِرَ، وإن سخط ولم يصبر ولا احتسب ثم مع ذهاب ماله وفقدان صحته، لم يتكرر عليه الِإثم كما يتكرر على من أملي له في المعاصي، وباللَّه التوفيق.
[إقادة الِإمام من نفسه]
في إقادة الِإمام من نفسه
قال مالك: بلغني أن أبا بكر لما تولى أمر الناس ضرب رجلًا ثم ندم، فقال: ما لي وما لهذا؟ لأردنها عليه، فلما سمعت عائشة أرسلت إلى عمر، فجاءَه، فقال: ما لَكَ؟ قال: قد ضربتُ رجلًا وقد واللَّه أعلم؛ لأن اللَّه قال فيها:{مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ}[المائدة: ٨٩] ،