مسألة وقال مالك: بلغني أن عمر بن الخطاب رأى رجلا قاء خمرا فقال لأبي هريرة: اشهد أنه قاءها، فقال: ما هذا التعمق؟
قال محمد بن رشد: زاد في رسم الحدود من سماع أصبغ بعد هذا تجوز الشهادة بذلك فلا وربك ما قاءها حتى شربها، وهذا الحديث فيه وجهان من الفقه، أحدهما أن الحاكم لا يقضي بعلمه، وقد مضى الكلام على هذا مستوفى في موضعه، وهو رسم الجواب من سماع عيسى من كتاب الأقضية، والوجه الثاني أنه يجوز للشاهد أن يشهد بما علم من جهة النظر والاستدلال، كما يجوز له أن يشهد بما علمه ضرورة بالعين، لقول عمر بن الخطاب لأبي هريرة: اشهد أنه شربها وهو لم يعاين شربه إياها، وإنما عاين أنه قاءها ولكن يعلم بالنظر والاستدلال أنه لم يقئها حتى شربها، وقد أشبعنا الكلام على هذا في الشهادات من كتاب المقدمات وإنما توقف أبو هريرة عن الشهادة أنه شربها لاحتمال أن يكون لم يشربها باختياره، وإنما أكره عليها فصبت في حلقه ولم ير عمر الشهادة تبطل بهذا الاحتمال؛ لأن أمره يحمل على أنه شربها باختياره إذ لم يدع أنه أكره على شربها وإنما أنكر أن يكون شربها، ولهذا قال له: ما هذا التعمق؟.
[مسألة: الزكوة للخمر تغسل فيجعل فيها الخل]
مسألة وسئل عن الزكوة للخمر تغسل فيجعل فيها الخل، فقال أما الزكوة فلا أرى ذلك لأنها قد تشربت، فلا أرى ذلك ولو غسلت، ولو كان بعض هذه الجرار فغسلها لم أر به بأسا وأخاف ألا يخرج ريحها من الزكوة ليشقها ولا يجعله فيها.