قال محمد بن رشد: لم يصدقه فيما ادعاه من دعوى القضاء لما تقدم من دعوى الضياع، وهو أصل قد اختلف فيه قول مالك وأقوال أصحابه اختلافا كثيرا فيمن سأل أمانة فأنكرها ثم ادعى الرد أو الضياع فقيل: إنه يصدق في كل واحد من الوجهين، وقيل: إنه لا يصدق في واحد منهما لما تقدم من إنكاره، وقيل: إنه يصدق في دعوى الضياع ولا يصدق في دعوى الرد، والثلاثة الأقوال كلها لمالك في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب القراض، وفيمن ادعيت عليه أيضا دعوى فأنكرها فلما قامت عليه البينة بها جاء بما يخرج منها من بينة على البراءة منها أو ما أشبه ذلك، فقيل: إن ذلك لا يقبل منه إلا في اللعان إذا ادعى الرؤية بعد إنكار القذف وأراد أن يلاعن وهو قول محمد بن المواز، وقيل: إنه لا يقبل منه إلا في اللعان والأصول ولا يقبل منه في الحقوق، وهو قول ابن كنانة وابن القاسم في المدنية وبالله التوفيق.
[: شركة الأبدان لا تجوز إلا فيما يحتاج الاشتراك فيه إلى التعاون]
ومن كتاب أسلم وله بنون صغار وسئل عن صيادين اجتمعوا على غدير ومعهم شباك فقال بعضهم لبعض: تعالوا نشترك ويضرب كل واحد منا بشبكته، فأخرج صيدا فأبى أن يعطي للآخرين منه شيئا وقال لهم: ليس لكم فيما أصبت شيئا، فقال: ذلك له، وليس لهم فيما أصاب شيء لأنها شركة لا تحل.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن شركة الأبدان لا تجوز إلا فيما يحتاج الاشتراك فيه إلى التعاون، ولأنهم متى اشتركوا على أن يعمل كل واحد منهم على حدة لأن ذلك من الضرر البين فاشتراك الصيادين فيما يخرجونه بشباكهم من الغدير على أن يضرب كل واحد منهم بشبكته على حدة