فعم من جميع الغيوب بقوله: الغيب؛ لأن الألف واللام إذا دخلت على النكرة اقتضت استغراق الجنس، قال عز وجل:{وَالْعَصْرِ}[العصر: ١]{إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}[العصر: ٢] فكأن معناه: إن الإنسان لفي خسر، بدليل استثناء الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم، وإذا اعتبرت هذه الخمس وجدتها مستغرقة لجميع الغيوب؛ لأن قوله عز وجل:{وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا}[لقمان: ٣٤] معناه أنه يقتضي أنه لا تعلم نفس ما يكون في غد من الأشياء، وإنما ذكرنا الكسب دون ما سواه من الأشياء؛ لأنه جل ما يحرص الناس على معرفته من الأشياء، وقد «روي أنه جاء رجل من البادية فقال: إن امرأتي حبلى فأخبرني ماذا تلد؟ وبلادي مجدبة فأخبرني متى ينزل المطر؟ وقد علمت متى ولدت فأخبرني متى أموت؟ فأنزل الله عز وجل هذه الآية» وبالله التوفيق.
[رفع الأمانة وفضل العلم]
في رفع الأمانة وفضل العلم وحدثني عن ابن القاسم عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه أن أول ما يرفع من الناس الأمانة وآخر ما يبقى فيهم الصلاة، وحدثني أنه بلغه أن ابن مسعود كان يقول: إذا لم يعلم أحدكم الفرائض وسنة الحج والطلاق فما فضله على أهل البادية؟
قال محمد بن رشد: المعنى في هذا كله بين؛ لأن أهل البادية أهل جمالة، فإنما فضلهم أهل الحاضرة بالمعرفة بأمور الدين، قال عز وجل:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}[المجادلة: ١١] وقال: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}[الزمر: ٩] .