الأشربة المسكرة ما دون السكر، وقالوا الخمر المحرمة العين إنما هي خمر العنب. ومنهم من قال خمر العنب والتمر، وتعلقوا فيما ذهبوا إليه من ذلك بما روي عن ابن عباس أنه قال: حرمت الخمر بعينها والسكر من غيرها أو من كل شراب. وهذا لا حجة فيه؛ لأن بعض الرواة يقول فيها: والمسكر من غيرها أو من كل شراب على اختلاف الرواية في ذلك. وقولهم خطأ لا وجه له؛ لأنهم خالفوا الآثار الثابتة عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك التي ذكرناها وتركوا القياس الذي يعتمدون عليه، وهو أن العلة التي من أجلها حرمت الخمر هي الإسكار والشدة المطربة المؤدية إلى العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله وعن الصلاة موجودة في الأنبذة المسكرة، فوجب أن يكون لها حكمها ووجود العلة فيها. وإذا كان الذي لا يسكر لما دون عشرة أكواس من النبيذ إنما يحرم عليه الكأس العاشر وحده عندهم من أجل أنه سكر به، وجب بالقياس الصحيح أن تحرم عليه جميع العشرة الأكواس، إذ لم يسكر بالعاشر وحده، وإنما سكر بإضافته إلى التسعة المتقدمة. ألا ترى لو اجتمع تسعة رجال على حجر فلم يقدروا على رفعه فجاء رجل عاشر فرفعه معهم لا يصح في عقل عاقل أن يقال إن العاشر هو الذي رفعه، وهذا أبين من أن يحتاج إلى بيانه، وبالله التوفيق.
[انتقاص الخير من الناس]
في انتقاص الخير من الناس قال أصبغ: وحدثنا أشهب بن عبد العزيز عن ابن لهيعة أن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال: لقد كنا وما أحدنا أولى بديره من أخيه المسلم، ثم ذهب ذلك فكانت المواساة، ثم ذهبت المواساة فكانت العينة.
قال محمد بن رشد: يشهد بصحة قول ابن عمر هذا قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم