وسألته عن الاستيناس ما هو؟ فقال: التسليم. قلت: فالرجل يؤذن له في مثل دار فيدخل في الدار بإذن، فإذا جاء إلى باب البيت أترى أن يستأذن؟ قال: ليس ذلك عليه إذا أُذن له مرة، وقال الاستيذان ثلاث، فإن أذن لك وإلا فارجع. قلت: ما هذا؟ قال: تسلم ثلاث مرات فإن أذن لك وإلا فانصرف.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه الرواية إن الاستيناس هو السلام بعيد، لأن الله عز وجل يقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا}[النور: ٢٧] فلو كان الاستيناس هو التسليم لكان معنى الكلام حتى تسلموا وتسلموا، وذلك لا يصح. وقد روى ابن وهب عن مالك أن الاستيناس هو الاستئذان، وهو الصحيح الذي ذهب إليه أكثر المفسرين، أن معنى حتى تستأنسوا حتى تستأذنوا، وقالوا إنما تستأنسوا وهم من الكاتب على ما جاء عن ابن عباس من أنه قال: إنما هو حتى تستأذنوا وتسلموا على أهلها، وغلط الكاتب. واستدلوا على ذلك بقراءة أبي بن كعب وابن عباس والأعمش (حتى تستأذنوا) . وقال جماعة منهم أيضا إن المعنى حتى تؤنسوا أهل البيت بالتنحنح [والتنخم] وما أشبه ذلك حتى يعلموا أنكم تريدون الدخول عليهم. وقال أبو جعفر الطبري: الذي أراه، والله أعلم، أن الاستيناس استفعال من الأنس، وهو أن يستأذن أهل البيت في الدخول عليهم مختبرا بذلك من فيه وهل فيه أحد، وليؤذنهم أنه داخل عليهم فيأنس إلى إذنهم له في ذلك، ويأنسوا إلى استئذانه إياهم. وقد