قال محمد بن رشد: قوله في الذي أصبح يوم الجمعة صائما يرى أنه الخميس الذي كان نذر صيامه، أنه يجزئه من قضائه صحيح؛ لأن صوم يوم الخميس واجب عليه كوجوب قضائه، فناب في النية فرض عن فرض، وذلك مثل قولهم في الأسير يخطئ في الشهور، فيصوم شوالا - وهو يرى أنه رمضان، فلا اختلاف بينهم في أنه يجزئه؛ وستأتي متكررة في رسم "سلف"، ورسم "جاع" من سماع عيسى، وكراهيته أن ينذر على نفسه صيام يوم بوقته أبدا، هو مثل ما في المدونة، وإنما كره ذلك لمشقة تكرره، وقد يسهو عنه، أو لعله يفرط فيه مع طول المدة فيأثم، والله أعلم.
[مسألة: نذر صياما بمكة أو ببلد من البلدان رجا فيه الفضل]
مسألة وسئل مالك: عمن نذر صياما بمكة، أو بالمدينة، أو بعسقلان، أو بالإسكندرية، أو ببلد من البلدان، رجا فيه الفضل؟
قال: قال مالك: من نذر صياما في مثل المدينة، ومكة، وساحل من السواحل ترجى بركة الصيام فيه، فإني أرى ذلك عليه، ومن نذر في غير ذلك مثل العراق، وما أشبهه، فلا أرى أن يأتيه. قال ابن القاسم: ومعنى قوله: إنه يصوم ذلك الصيام بمكانه الذي هو فيه.
قال محمد بن رشد: فهذا مثل ما في المدونة، والأصل فيه قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصيه» . فمن نذر أن يصوم في موضع يتقرب إلى الله بالصيام فيه، لزمه الخروج إليه؛ ومن نذر أن يصوم في موضع لا قربة لله في الصيام فيه، صام بموضعه ولم يخرج إلى ذلك الموضع؛ إذ ليس لله في ذلك طاعة، وهذا ما لا اختلاف فيه - وبالله التوفيق.