قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الماء القراح لا يخرجه عن حكم الطهارة، وجواز تأدية الفرض به مسيس النار إياه، كما لا يخرج شيئا من الطعام مسيس النار إياه عن حكم الطهارة وجواز أكله، والأمر بالوضوء منه كان عبادة قد نسخت، وروي عن جابر بن عبد الله أنه قال:«كان آخر الأمرين من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ترك الوضوء مما مست النار» فلا وجه للاعتبار بذلك في كراهة الوضوء بالماء السخن، وإنما يعتبر بجواز الوضوء بالماء السخن في ألا وضوء مما مست النار.
وقد روي أن عبد الله بن عمر قال لأبي هريرة لما قال: إنه يتوضأ مما مست النار: ما تقول في الدهن والماء السخن يُتوضأ منه؟ قال: أنت رجل من قريش، وأنا رجل من دوس، قال: يا أبا هريرة، لعلك تلحق إلى هذه الآية {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}[الزخرف: ٥٨] لا نتوضأ من شيء نأكله، وقد روي عن مجاهد أنه كره الوضوء بالماء السخن، فيحتمل أن يكون رأى ذلك من التنعم، ورأى الصبر على الوضوء بالماء البارد أعظم للأجر؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؛ إسباغ الوضوء عند المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط» ، فإن كان ذهب إلى هذا فقد أصاب، والله أعلم، وبه التوفيق.
[مسألة: الذي يريد أن يبتدئ الوضوء أيغسل يديه أم يفرغ على يده]
مسألة وسئل عن الذي يريد أن يبتدئ الوضوء، أيغسل يديه أحب إليك، أم يفرغ على يده؟ فقال: يفرغ على يده، قيل له: أي أحب