وهو ظاهر ما في المدونة إذ لم يفرق فيها بين تعجيز الطالب والمطلوب، وقال: إن القاضي يقبل منه ما أتى به بعد التعجيز إذا كان لذلك وجه. والقول الثالث أن ذلك يقبل من الطالب ولا يقبل من المطلوب، وهو ظاهر قول ابن القاسم في سماع أصبغ من كتاب الصدقات والهبات؛ لأنه إنما قال ذلك في الطالب، والمطلوب بخلافه، إذ المشهور فيه أنه إذ عجز فعجز وقضي عليه مضى الحكم، ولم يسمع منه ما أتى به بعد ذلك، وإلى هذا ذهب ابن الماجشون في المطلوب، وفرق في الطالب بين أن يعجز في أول قيامه قبل أن يجب على المطلوب عمل، وبين أن يعجز بعد أن وجب على المطلوب عمل، ثم رجع عليه، ففي تعجيز المطلوب قولان، وفي تعجيز الطالب ثلاثة أقوال قيل: هذا في القاضي الحاكم دون من بعده من الحكام. وقيل: ذلك فيه وفيمن بعده من الحكام، وهذا الاختلاف إنما هو إذ أعجزه القاضي بإقراره على نفسه بالعجز، وأما إذا عجزه السلطان بعد التلوم والإعذار وهو يدعي أن له حجة فلا يقبل منه ما أتى به بعد ذلك من حجة؛ لأن ذلك قد رد من قوله قبل نفوذ الحكم عليه، فلا يسع بعد نفوذه عليه وبالله التوفيق.
[: القضاء على الغائب]
ومن كتاب أوله سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وسئل مالك عن الرجل الغائب هل يقضى عليه؟ فقال مالك: أما الدين فإنه يقضي عليه، وأما كل شيء كانت فيه حجج فإنه لا يقضى عليه. قال سحنون: والدين مثله يكون فيه الحجج.
قال القاضي: الغائب في مذهب مالك على ثلاثة أقسام:
أحدها غائب قريب الغيبة على مسيرة اليوم واليومين والثلاثة، فهذا يكتب إليه وبعذر إليه في كل حق. فإما وكل وإما قدم، فإن لم يفعل