أصنع بما عطب من الهدي فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " انحرها، ثم ألق قلائدها في دمها، ثم خل بين الناس وبينها يأكلونها» . لأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ أباح في هذين الحديثين للناس الذين يحل لهم الهدي أن يأخذ منهم من شاء ما أخذ، من غير مقدار ولا قسم معلوم، وفي هذا بيان إن شاء الله.
[تحريق رحل الغال]
في تحريق رحل الغال وسئل مالك عن الحديث الذي جاء فيه من غل أحرق رحله. فأنكر ذلك وقال لا حرق في الإسلام، ولا يحرق رحل رجل في الإسلام.
قال محمد بن رشد: الحديث الذي جاء بإحراق رحل الغال حديث شاذ لم يأخذ به مالك ولا أحد من فقهاء الأمصار ولا قال بذلك من الفقهاء إلا مكحول، وقوله شاذ بعيد في النظر إذ لا يحل إهلاك مال أحد بذنب من الذنوب، وإن قتل. وإن صح الحديث، فمعناه أنه كان في أول الإسلام حين كانت العقوبات في الذنوب بالأموال. من ذلك ما روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في مانع الزكاة أن خذوها منه وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا. وما روي عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ في حريسة الجبل، أن فيها غرامة مثليها وجلدات نكال. وما روي عنه من أن من أخذ يصيد في حرم المدينة شيئا فلمن أخذه سلبه ثم نسخ ذلك كلها بالإجماع، على أن ذلك لا يجب، وأن العقوبات إنما تجب في الأبدان، وقد روي أنه يجب عليه مع حرق رحله، ضرب عنقه. حكى «أن مسلمة بن عبد الملك، دخل