الخلاص وطريق السلامة، واستدل على ذلك بقول عبد الله بن عمر: إني لأحب أن أجعل بيني وبين الحرام سترة من الحلال ولا أحرمه، وبقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لعبد الله بن عمرو بن العاص:«فانظر لنفسك، وعليك بالبين المحض؛» لأنه حمل قوله له على عمومه في جميع الأشياء، وإن كان مساق الحديث إنما هو على التحذير من الفتن التي وقعت بعده ألا يدخل منها في مشكل، وقد دخل فيه على ما أداه إليه اجتهاده مع عزم أبيه عليه في ذلك، فشهد مع معاوية حرب صفين، ثم ندم على ذلك لما ظهر إليه من البصيرة في خلاف رأيه الأول، فاستغفر الله عز وجل من ذلك مخافة أن يكون قد قصر أولا في اجتهاده مع قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فانظر لنفسك وعليك بالمحض البين» ، وفي هذا الحديث علم جليل من أعلام النبوءة؛ لأنه أعلم عبد الله بما يكون بعده من الفتن وحضه على ما يصنع فيها في خاصة نفسه من الأخذ بالبين المحض، فانتهى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى ما حضه عليه، ورجع عما دخل فيه إذ بان له خلاف ما كان ظهر إليه، ولا فصل كما قال من شراء بعضهم من بعض إذا سبوهم، وشراء رقيقهم الذي يبعثون بهم فيما صولحوا عليه إذ كان أولئك الرقيق الذين يبعثون بهم من سبي بعضهم بعضا، وبالله التوفيق لا إله إلا هو.
[التجارة في النبل والسيوف والسلاح]
ومن كتاب البيوع الأول قال أشهب بن عبد العزيز: سئل مالك عن التجارة في النبل والسيوف والسلاح، قال: لا بأس بذلك، ولم تزل الناس يجيزونه إلا أن يخاف أن يصل إلى العدو.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: لأن السلاح لا يحل أن يباع من العدو، ولا ممن يحمله إلى العدو، فلا يحل للرجل أن يتجر فيه إذا علم أنه يصل إلى العدو، مثل أن يكون الذين يبتاعونه منه يخرجون إلى بلد يحمل منه للعدو، ويكره ذلك إذا خاف أن يصل إليهم، قاله مالك في سماع أشهب من