قال محمد بن رشد: قوله ورأى ابن القاسم ذلك كله واحدا يدل على أن الجواب المتقدم لمالك، يدل على ذلك أيضا قوله: هذا ضلال أهل العراق، ولأنه يعرف من مذهبه الطعن عليهم، وأما ابن القاسم فكثير ما يميل إلى مذاهبهم في مسائله ويراعي أقوالهم فيها، وقوله في هذه المسألة صحيح على أصل مذهبه في ترك الاعتبار بمجرد الألفاظ في الأيمان إذا ثبتت المعاني المقصودة بها وعدمت من النيات؛ لأن المعلوم من قصد الحالف ليقضين أو ألا يقضي تعجيل القضاء أو تأخيره لا تسمية اليوم، فإذا قال الرجل امرأتي طالق إن لم أقضك حقك غدا أو بعد غد يوم كذا أو يوم كذا غدا أو بعد غد فإنما تحمل يمينه على غد إن كان ذكر غدا أو على بعد غد إن كان ذكر بعد غد، ولا يلتفت لتسمية إياه بيوم كذا أصاب في ذلك أو أخطأ فيه، إلا أن يريد اليوم الذي يسمى بذلك الاسم ويأتي مستفتيا فينوى في ذلك، وأما مع قيام البينة عليه فلا تقبل منه النية ولا يصدق فيها، وهو قول أصبغ ألا أن يستثني إن كان غدا الجمعة استثناء يحرك به لسانه ويسمع نفسه فأراه ينفعه، يريد فيما بينه وبين الله، وأما في الحكم فلا إلا أن يشهد على ذلك من استثنائه، وقول أهل العراق في تفرقتهم بين أن تقول غدا يوم الجمعة ويوم الجمعة غدا هو صحيح على أصولهم في الاعتبار بما يقتضيه مجرد الألفاظ دون مراعاة المعاني والمقاصد؛ لأنه إذا حلف ليقضينه حقه غدا يوم الجمعة فاليمين إنما وقعت في مقتضى اللسان على القضاء غدا، ووصفه لغو في يمينه بأنه يوم الجمعة غلط منه فلا يلتفت إليه، وإذا حلف ليقضينه حقه يوم الجمعة غدا فاليمين إنما وقعت في مقتضى اللسان على القضاء يوم الجمعة، ووصفة ليوم الجمعة في يمينه بأنه غذ غلط، فلا يلتفت إليه، فهذا وجه القول في هذه المسألة والله أعلم.
[مسألة: حلف على قريب له ألا يعيره ثوبا أبدا فوهبه له]
مسألة وسئل عن رجل حلف على قريب له ألا يعيره ثوبا أبدا فوهبه له.