الترياق للمحرم: أشد من هذا عندي ما يصيب الناس في إحرامهم من طيب البيت وخلوقه، كأنه يرى أن لهم في ذلك سعة وأنه أمر لا يستطاع، يقول: فكيف يصنعون؟
قال محمد بن رشد: إنما جاز للمحرم شرب الفلونية والترياق؛ لأن الذي فيهما من الزعفران يسير لا قدر له ولا يظهر فيهما فلم ير له حكما لما كان مستهلكا فيهما، كما أن لبن المرأة عنده إذا خلط بالطعام وعصد به حتى صار هو الغالب عليه لم يقع به حرمة، فليس ذلك بخلاف لما في المدونة وغيرها من أن المحرم لا يأكل الطعام الذي فيه الزعفران إلا أن يكون قد مسته النار، قال ابن حبيب فتعلك بالطعام حتى صار لا يصبغ اليد ولا الشفة لهذه العلة ولمعنى آخر أيضا وهو أن الفلولنية والترياق إنما يشربان لضرورة التداوي، فليس بمنزلة الطعام الذي يؤكل من غير ضرورة، يدل على هذا التعليل تقييد مالك ذلك بما يصيب الناس في إحرامهم من طيب الكعبة وخلوقها؛ لأنهم مضطرون إلى ذلك فأشبه ضرورة التداوي، وبالله التوفيق.
[تحديد عمر الحرم وموضع المقام من البيت]
في تحديد عمر الحرم وموضع المقام
من البيت
قال مالك: بلغني أن عمر بن الخطاب هو الذي حد علم الحرم وأنه حين أراد أن يحده أرسل إلى ناس كانوا يدعون في الجاهلية أهل معرفة بذلك الموضع، فسألهم عن ذلك فحددوها ووضعوا أنصابها.
قال مالك: كان المقام ملتصقا بالبيت، وكان الطواف من ورائه، وإنما ألصق لمكان السيل خيف عليه منه فقدم، فلما ولي عمر ابن الخطاب أخرجه إلى هذا الموضع، وهو موضعه الذي كان