بنائه لها إنما هو للصلاة فيها، لا لما سوى ذلك من مبيت الضيفان. وكذلك يجوز لمن لم يكن له منزل أن يبيت في المسجد، وكره الطعام فيه والشربة من السويق لموضع المضمضة، وأجاز شرب الماء فيه. وهذه المعاني مذكورة في مواضع من هذا الكتاب بألفاظ مختلفة، ومعان متفقة، منها ما وقع عند آخر رسم "شك بعد هذا"، وفي رسم "اغتسل على غير نية"، وفي رسم "الشجرة "، وسماع عبد المالك زونان، في كتاب السلطان، في رسم "شك في طوافه" من سماع ابن القاسم، عقب كتاب ذكر الحق في المسجد ما لم يطل، وفي رسم "تأخير صلاة العشاء" منه إجازة قضاء الحق فيه ما لم يكن على وجه التجارة والصرف، وبالله التوفيق.
[مسألة: الرجل يركع ركعتي الفجر في منزله ثم يأتي المسجد أيركعهما]
مسألة وسئل عن الرجل يركع ركعتي الفجر في منزله، ثم يأتي المسجد، أترى أن يركعهما؟ قال مالك: كل ذلك قد رأيت من يفعله، فأما أنا فأحب إلي أن يقعد ولا يركع. قال لي ابن القاسم: وقد قال لي قبل ذلك أحب إلي أن يركع، وكأني رأيته وجه الشأن عنده. قال سحنون: إذا ركعهما في بيته فلا يعيدهما في المسجد.
قال محمد بن رشد: هذا الاختلاف إنما هو اختلاف في الاختيار، وفي أي الأمرين أفضل، وإنما وقر من أجل أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتي الفجر» وقال أيضا: «إذا دخل أحدكم المسجد، فليركع ركعتين قبل أن يجلس» فتعارض الحديثان في الظاهر، وكل واحد منهما يحتمل أن يكون مخصصا لعموم صاحبه، احتمالا واحدا. ألا ترى أنه لو قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا صلاة بعد الفجر سوى ركعتي الفجر، إلا لمن دخل المسجد