«أن رجلا نحر نفسه بمشاقص، فلم يصل عليه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . فتعلق بذلك من ذهب إلى أنه لا يصلى على من قتل نفسه، منهم: الأوزاعي، وابن شهاب، ولا حجة لهم في ذلك؛ إذ لم ينه عن الصلاة عليه، وإنما ترك هو الصلاة عليه، إذ كان من سنته ألا يصلي على المذمومين، ويصلي عليهم غيره، كالقاتل والمديان، وشبههما، أدبا لهم وزجرا عن مثل فعلهم؛ وقال أحمد بن حنبل: لا يصلي الإمام على من قتل نفسه، ويصلي عليه الناس؛ وحكم قاتل النفس في ذلك، حكم من قتل نفسه. وقوله في الرواية: وما سمعت أن أحدا ممن يصلي القبلة ينهى عن الصلاة عليه. يروى: ينهى، وينهي، والصواب ينهى على لفظ ما لم يسم فاعله؛ وهذا يدل على أن قوله في القدرية والإباضية: لا يصلى عليهم، إنما معناه أن الصلاة تترك عليهم أدبا لهم، إذ لا يرغب في الصلاة عليهم، لا لأنهم يتركون بغير صلاة أصلا، وقد بين ذلك في كتاب ابن شعبان، فقد قال فيه: إنه لا يصلى عليهم ولا على من يذكر بالفسق والشر، وإنما يرغب في الصلاة على من يذكر فيه خير، ومما يدل على صحة رواية من روى ينهى على لفظ ما لم يسم فاعله، ما احتج به مالك من قول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صلاته على عبد الله بن أبي سلول المنافق، وما أنزل الله من النهي عن الصلاة عليهم، إذ هم كفار معدودون في غير أهل القبلة؛ لأن صلاتهم إليها بغير نية ولا اعتقاد.
[مسألة: أتى جنازة فوجدهم قد سبقوه ببعض التكبير عليها]
مسألة قال: وسئل مالك عمن أتى جنازة فوجدهم قد سبقوه ببعض التكبير عليها، أيكبر مكانه؟ أم ينتظر حتى يكبر الإمام فيكبر بتكبيره ثم يقضي ما فاته؟ فقال: بل يكبر تكبيرة واحدة حين يجيء سرا، ثم يقف عما سبقوه به من التكبير بعد التكبيرة الواحدة التي يكبرها حين يقف سرا، تم يترك التكبير حتى يكبر الإمام، فيكبر بتكبيره، ثم يقضي