معاوية قد عذبه عذابا شديدا، ثم قيل له: غدا يفعل بك كذا وكذا، فخافه، فأخذ سكينا فذبح بها نفسه؛ أفترى أن يصلى عليه؟ فقال: نعم، وما سمعت أن أحدا ممن يصلي القبلة ينهى عن الصلاة عليه؛ ولقد قال عمر للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حين مات ذلك المنافق، لا تصل عليه يا رسول الله، فأبى النبي ذلك، وصلى عليه، وفيه فيما بلغني نزلت هذه الآية:{وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ}[التوبة: ٨٤] . نزلت بعدما صلى عليه، قال مالك: أفترون أن النفاق من حين ذهب من أولئك، ذهب من الناس؟
قال محمد بن رشد: قوله في التي قتلت نفسها: إنه يصلى عليها، معناه أنها لا تترك بغير صلاة؛ لأنها ممن ترغب في الصلاة عليها؛ فقد قال ابن وهب في المعروف بشرب الخمر والشر: ما حاجتك إلى شهوده؟ دعه يصلي عليه أهله ومن أحب؛ وإنما وقع هذا السؤال لما روي من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده في نار جهنم، يجاء بها في بطنه في نار جهنم - خالدا مخلدا فيها أبدا» . وأنه قال في التردي والسم مثل ذلك، فذهب جماعة من السلف إلى إنفاذ الوعيد عليه، والأكثر منهم يراه في المشيئة، لقوله عز وجل:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}[النساء: ٤٨]- الآية. وما في الحديث من تخليد في النار، ليس على ظاهره، ومعناه أنه خالد فيها مخلد أبدا - حتى يخرج منها بالشفاعة مع سائر المذنبين؛ لأن القتل لا يحبط إيمانه، ولا يبطل أعماله، فلا بد من مجازاته على ذلك، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}[محمد: ٣٥] .