[رجل أوصى أن يحج عنه بثلث ماله فوجدوا ثلثه ألف دينار]
ومن سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب الصلاة وسئل: عن رجل أوصى أن يحج عنه بثلث ماله فوجدوا ثلثه ألف دينار ونحو ذلك، أيخرج عنه ما يحج به عنه حجة واحدة، ويكون ما بقي للورثة؟ أو يهدى عنه بما بقي؟ قال: بل ينفذ ذلك كله في الحج عنه يعطاه رجال يحجون به عنه حتى يستوعب الثلث بالغا ما بلغ. قيل له: أرأيت إن لم يكن في الثلث ما يحج به عنه من بلده؟ قال: فليحج عنه بثلثه ذلك وإن قل من حيث يوجد من يحج عنه بذلك الثلث وإن لم يكن ذلك إلا من مكة.
قال محمد بن رشد: لما أوصى أن يحج عنه بثلث ماله وهو مال واسع كبير فيه ما يحج به عنه حجات استدل بذلك على أنه لم يرد بوصيته حجة واحدة وإنما أراد أن ينفذ ثلثه في حجات فينفذ عنه ثلثه في الحج ولا يرجع منه للورثة شيء؛ لأن ما فضل يحج به عنه من حيث ما بلغ ولو من مكة. ولو كان ثلثه قدر ما يشبه به أن يحج به عنه حجة واحدة، لم يحج عنه إلا حجة واحدة، فإن استؤجر عليها بأقل من الثلث رجع ما بقي من الثلث إلى الورثة، كما قال في المدونة: إذا قال: حجوا عني بهذه الأربعين فدفعوها إلى رجل على البلاغ ففضلت منها عشرون - إنها ترد إلى الورثة، فليست هذه المسألة بخلاف لما في المدونة. ولو أوصي أن يحج عنه من ثلث ماله لم يحج عنه إلا حجة واحدة وإن كان ثلثه واسعا كثيرا لأن "من" للتبعيض، فيعلم بذلك أنه لم يرد أن ينفذ ثلثه كله عنه في حج. ولو أوصي أن يحج عنه فقال: حجوا عني، ولم يزد على ذلك لم يقل بثلثي ولا من ثلثي ولا بكذا وكذا - لجرى ذلك عنه على الاختلاف في الأمر، هل يقتضي التكرار أو لا يقتضيه؟ فينفذ عنه ثلثه كله في الحج على القول بأن الأمر المطلق يقتضي التكرار، ويحج عنه من ثلثه حجة واحدة لا أكثر، على القول بأن الأمر المطلق لا يقتضي التكرار. وأما إذا قال: يحج عني فلان بثلثي أو بكذا وكذا، فلا اختلاف في أنه لا يحج عنه إلا حجة واحدة، وإن كان الثلث أو ما سمى من العدد كثيرا مثله فيه ما يحج به