قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأن النهي إنما جاء في الخليطين من الأشربة التي يصنعها الناس من الأطعمة كالتمر والزبيب والعسل والبر وما أشبه ذلك، وأما اللبن فليس بشراب من صنع آدمي، فلا كراهة في خلطه بالعسل ولا شراب من الأشربة، والأصل في هذا أنه إذا كان الشيئان يصلح أن ينبذ كل واحد منهما فلا يجوز أن يجمعا في الانتباذ ولا أن يخلط شرابهما إذا انتبذ كل واحد منهما على حدة، وإذا كان الشيئان لا يصلح أن ينبذ أحدهما أو كلاهما فلا بأس بخلط شرابيهما، وإنما نهي عن خلط الشرابين إذا اختلف أصولهما ومن جمع الشيئين المختلفين في الإنباذ من باب حماية الذرائع؛ لأن الشدة والإسكار يسرع إليهما بذلك، فمن خلطهما وشربهما في الفور لم يكن عليه في ذلك حرج، وقيل إن النهي في ذلك عبادة لا لعلة، فعلى هذا القول لا يجوز ذلك وإن شربهما بالفور، وأما شراب الورد وشراب السكنجبين وما أشبه ذلك من الأشربة السكرية أو العسلية فالجمع بينهما جائز باتفاق؛ لأن أصلهما جميعا واحد ولا يجوز خلط شراب سكري وعسلي لاختلاف أصلهما، وبالله التوفيق.
[مسألة: شهدا على رجل أنه شرب خمرا فحلف بطلاق امرأته ما شرب خمرا]
مسألة وسئل مالك عن رجلين شهدا على رجل أنه شرب خمرا فحلف بطلاق امرأته ما شرب خمرا، أترى أن يطلق عليه امرأته؟ قال أرى أن يضرب الحد، ولم نر عليه طلاقا، وقد قال: إن هذه وجوه يكون لها تفسير، من الناس من يقول: إنما الخمر من العنب، قيل له أفتقول ذلك؟ قال: وكل خمر فهو خمر إذا أسكر، قيل له: أفتوجب عليه الطلاق؟ قال: لا ولكن أوجب عليه الحد.
قال محمد بن رشد: إنما نواه لأن كل ما أسكر فهو خمر عنده، خلاف ما يذهب إليه أهل العراق في أن الخمر إنما يقع على ما أسكر من