مسألة وسئل مالك: عن الدار يتصدق بها الرجل على الرجل، أو يحبسها عليه، ويتكارها منه؟ قال: لا خير فيه، ولا أرى أن يجوز ذلك، فقلت له: يا أبا عبد الله، أرأيت لو تصدق بها عليه ثم تكاراها منه بعد ذلك، لم يكن ذلك جائزا له؟ قال: إن جاء من ذلك شيئا بينا رأيت ذلك جائزا إذا كان قد حازها الذي تصدق بها عليه، ثم تكاراها الآخر بعد ذلك، بعد أن ينقطع بها الذي تصدق بها عليه انقطاعا بينا.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أحفظه في المذهب، إنه إذا تصدق على الرجل بالدار، أو حبسها عليه، وتمادى على سكناها أو عاد إليها عن قرب، باكتراء أو عارية أو إرفاق، حتى مات فيها، فالصدقة أو الحبس فيها باطل. وأما إذا رجع إليها بالسكنى بكراء أو إرفاق بعد أن انقطع لها بالحيازة دونه، انقطاعا بينا، السنة فيما زاد، فلا يبطل ذلك حيازته، وهذا في الأجنبي أو الولد الكبير الذي يحوز لنفسه، فأما الولد الصغير الذي يحوز له أبوه، فتبطل الصدقة برجوع الأب إلى سكنى الدار التي تصدق بها، وإن كان ذلك بعد المدة الطويلة. قال ذلك محمد بن المواز في كتابه، وهو بيّن من قول ابن القاسم، في رسم أوصى من سماع عيسى بعد هذا، فهو بين قوله حيثما وقع روايته عن مالك، وكذلك الرهن يبطل الحيازة فيه برجوعه إلى يد المرتهن، وإن كان ذلك بعد أن انقطع المرتهن بحيازته إياه انقطاعا بينا؛ لأن الحوز في الرهن آكد منه في الصدقة والحبس؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}[البقرة: ٢٨٣] ، وبالله التوفيق.