[يموت عن منزل ويترك ورثة غيبا في بلد غير بلده الذي هلك فيه]
ومن كتاب الأقضية وسألته عن الرجل يموت عن منزل ويترك ورثة غيبا في بلد غير بلده الذي هلك فيه، بعيدا أو قريبا، فمكث المنزل زمانا طويلا، نحوا من أربعين سنة، ثم يقدم ورثة الهالك، فيجدون المنزل في أيدي قوم قد ورثوه عن أبيهم، ولعل أباهم قد ورثه عن جده، فيدعيه ورثة الهالك الغائب عنه الذي كان أصله له معروفا، فيقول: هذا منزل أبينا، ورثناه عنه ونحن غيب، لم ندخل هذا البلد منذ هلك إلى اليوم، ويقول الذين في أيديهم المنزل: لم ندر من أنتم، ولا ما تقولون، غير أن هذا المنزل ورثناه عن أبينا، فهو في أيدينا منذ زمن طويل، ولعل أبانا إن كان أصل المنزل لكم كما تقولون، قد اشترى منكم بمكانكم الذي كنتم فيه، ولا علم لنا بشيء من أمره، إلا أنا ورثناه. قال: الأمر فيه إن شاء الله، أن يسأل الذي زعم أن أصله له معروف، إلى أن هلك فيه أبوه وهو غائب، بغير ذلك البلد، البينة على ذلك، فإن جاء بها أو أقر بذلك الذين في المنزل، وكانت غيبتهم عنه ببلد بعيد، مثل أن يكون المنزل بالأندلس، أو ما أشبهها، والذين ادعوها بمصر، أو بالمدينة، أو نحو ذلك من البعد، فيسأل الذين هم فيه، من أين صار لهم بعد وفاة الذي ورثه هو لا الغائب عنه؟
فإن أحقوا حقا باشتراء أو غيره، مما يستحق به المدعي ما ادعى، كان ذلك لهم، فإن لم يثبت لهم اشتراء ولا هبة، ولا وجه يستحقونه به، إلا ما ادعوا من تقادم ذلك في أيديهم، وتوارث ذلك بعضهم عن بعض، فإني لا أرى لهم حقا، والحق فيه لصاحب أصله إذا قامت له بالأصل بينة أو أقر له بذلك خصماؤهم؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا