ومن كتاب أوله تأخير صلاة العشاء في الحرس وسئل مالك: عن رجل استدفع امرأة قرطا فصرته في خرقة، ثم إن زوجها أصابه رمد فعالج دواء لعينه، فسألها خرقة ليجعل فيها ذلك الدواء، وناولته الخرقة ونسيت موضع القرط، فرمى بها وأقامت في التراب يومين، ثم إنه وجدها بعد ذلك فصر فيها دواء، ثم جعله في الزنفلجة وهو لا يعلم أن القرط فيها، ثم سألها عن القرط وطلبت القرط من غدوة إلى ضحوة، فغضب الرجل فقال: كل مملوك حر- إن لم يكن قد ضاع منك أو سرق، فقال: لا أرى عليه حنثا.
قيل له: أرأيت يا أبا عبد الله لو كانت الخرقة لم تكن ملقاة في التراب إلا على وجه التناول ووضعها في الزنفلجة قال: أرجو ألا يكون عليه شيء- إن شاء الله.
قال محمد بن رشد: الزنفلجة عند العرب: مخلاة الراعي، وقول مالك في هذه المسألة: إنه لا حنث عليه بين؛ لأنه حلف لقد ضاع القرط منها أو تلف، وهو قد ضاع منها لما صرته في الخرقة ثم نسيته ودفعت إليه الخرقة وهي لا تظن أنه فيها فرمى بها في التراب، ثم أخذها وهو لا يعلم أن القرط فيها، فظن أنه قد تلف، فحلف لقد ضاع منها أو سرق، فلما حلف لقد ضاع منها وهو قد ضاع منها وجب ألا يحنث، وإن كانت الخرقة لم تكن ملقاة في التراب إلا على وجه التناول، فهو أيضا غير حانث؛ لأن الضياع من المرأة في القرط حاصل، وقد قيل: إن قول مالك في هذه المسألة معارض لقوله في مسألة السوط من سماع ابن القاسم من كتاب الأيمان