حسب ما ذكرناه، واختلف أيضا فيما استحق بشاهد ويمين فرجع الشاهد بعد الحكم وأقر أنه شهد بزور فقيل: عليه نصف الحق؛ لأن اليمين مقام الشاهد الآخر، وهو قول ابن الماجشون، وقيل: عليه جميع الحق، وهو قول ابن القاسم وابن وهب واختيار ابن حبيب.
وإذا رجع الشاهد عن شهادته وكان قد شهد بزور ولم يشبه عليه فلا تجوز شهادته فيما يستقبل كان رجوعه قبل الحكم أو بعده، وأما إن كان شبه عليه ولم يتعمد الزور فلا ترد شهادته فيما يستقبل كان رجوعه قبل الحكم أو بعده، هذا قول ابن حبيب في الواضحة، وحكاه عن مطرف وابن عبد الحكم وأصبغ وهو قول سحنون في سماع يحيى من هذا الكتاب، وظاهر ما في كتاب الأقضية من المدونة أن شهادته لا تجوز فيما يستقبل إذا كان رجوعه بعد الحكم، وإن كان قد شبه عليه ولم يتعمد الزور، وبالله التوفيق.
مسألة وعن رجلين شهدا على رجل بالزنى، وقالا: معنا شاهدان آخران فلان وفلان وهما في البلد هل يمكنا أن يأتيا بهما أم يحدان إذا لم يأتوا جميعا، قال: أرى أن يحدا، وذلك أن قولهما: إنا رأينا فلانا يزني ومعنا فلان وفلان إنما يقولان: سلوا فلانا وفلانا يصدقان ما قلنا فإن قالا: نعم ثبتت شهادتهما، وإن قالا لا كانا قاذفين، فليس هذا وجه الشهادة إلا أن يأتوا جميعا، وقد بلغني ذلك عن مالك.
قال القاضي: علل ابن القاسم في هذه المسألة ضعف الشهادة وإيجاب الحد على الشاهدين بعلتين؛ إحداهما: تفرق الشهود في الشهادة فقال: ليس وجه الشهادة إلا أن يأتوا جميعا، والثانية: قول الشاهدين اللذين شهدا معنا فلان وفلان؛ لأنهما حصلا بقولهما هذا في معنى من قام على رجل بالزنى وشهد عليه به فلا يجزئه أن يأتي بثلاثة شهود سواه، ويحد إلا أن يأتي بأربعة شهداء، فكذلك هذان يحدان إن لم يأتيا على تصديق