حتى مات من مات منهم في الحصَار، إلى أن نزلوا على حكمه، فقتل مقاتلتهم كل قتلة، منهم من حرق بالنار، ومنهم من بطح على وجهه ومشيت عليه الخيل والدواب، وصفد الأحبار والرهبان، وسبى النساء والولدان، وحرق التوراة، وخرب المسجد.
وجاء في بعض الأخبار: أن رجلًا من علماء أهل الشام وجد نعت بخت نصر في الكتاب: إنه غلام يتيم، وله أم وله دواته ينزل ببابل وهو من أهلها، فقدم الرجل بابل، فطلبه وسأل عنه حتى عرفه بالنعت، وكان فقيراً يسرق الفراريج في صغره، فقال العالم ذات يوم: إنك ستملك الشام، فتظهر على الناس فاكتب لي ولقومي أماناً، فقال: لا أدري ما هذا الذي تذكر؟ فلم يزل به حتى كتب له ولقومه أماناً، فلما شب قطع الطريق واجتمع الناس إليه فأرسل إليه ملك فارس جيشاً فهزمهم، ثم أرسل إليه جيشاً آخر فهزمهم، ثم سار إلى فارس، فغلب عليها، ثم لبث ما شاء اللَه أن يلبث، ثم توجه إلى الشام، فلما دنا من الشام، خرج العالم إلى مقدمته، فقال: إن الملك عندي بصحة، فجعل قوم يدفعه إلى قوم حتى دخل عليه، فقال له: هل تعرفني؟ فقال: ما أعرفك. فقص عليه العالم القصة، فقال: ما أدري ما هذا الذي تقول، ما هذا إلا مال ورثتهُ عن آبائي، فلم يزل به حتى أقر له، ووفى بأمانه، وأمنه، وقال: لا تخبر أحداً.
فلما ظهر على الشام إذا هو بدم يحيى بن زكريا يفورُ، فقال: لأقتلن على هذا الدم حتى يسكن، فقتل عليه سبعين ألفاً، فجعل لا يسكن حتى جاء قاتله، فقال: هذا الدم لا يسكن أبداً حتى تقتلني، فأنا الذي قتلته، فسكن الدَم وظهر على الشام وخرب بيت المقدس وحرق التوراة. وبالله التوفيق.
[التوقي في حمل الحديث]
في التوقي في حمل الحديث
قال مالك: وبلغني أن ابن سيرين كان يقول: إنما هذه الأحاديث دين، فانظروا عمن تحملون دينكم. قال: وكان يحدث بالحديث ثم يتركه، ويقول لأصحابه: قد تركت حديث كذا وكذا فاتركوه.