لأنه زاد فيها من وجوب الحكم بالقافة ما سكت عنه في هذه، وقيل وهو الأظهر: إنهما مسألتان مفترقتان حكم في تلك بالقافة؛ لأنه مجرد إثبات نسب كل واحد منهما من أبيه، ولم يحكم في هذه بالقافة؛ لأن ذلك يئول إلى القضاء برق إحداهن والحكم بها لمدعيها ملكا، وذلك ما لا يجوز إعمال قول القافة فيه، ألا ترى أنه لو ادعى رجل ولد أمة رجل فقال زوجتنيها فولدت هذا الولد مني وأنكر ذلك سيد الأمة وادعى أن الولد له ولدته من زنى لم يجز أن يحكم به لمدعيه لقول القافة، وهذا بين، والله أعلم.
[مسألة: شهادة القائف الواحد على ما يقول]
مسألة وسئل سحنون: أترى للقاضي أن يقضي بقائف واحد؟ فقال: لا يقضي بواحد ولا يلحق به نسبا، قيل: فإن لم يجد إلا قائفا واحدا؟ قال: يكتب إلى البلدان ويرسل حتى يأتيه قائف آخر، قيل له: فإن كتب ولم يجد؟ قال: يكتب أيضا وينتظر أبدا ولا يقضي بقائف واحد وقد أخبرني ابن نافع عن مالك قال: لا يجوز من القافة إلا اثنان، قيل له: فيقضي بغير العدول من القافة؟ قال: لا يكون القائف الذي يقضي به إلا عدلا وإلا لم يجز، وفي سماع محمد بن خالد قال: قلت لابن القاسم: هل تقبل شهادة القائف الواحد على ما يقول؟ فقال: أما مالك فقد كان يقول: لا يقبل إلا اثنان عدلان، قال ابن القاسم: ويرى أن شهادة الواحد مقبولة إذا كان عدلا.
قال محمد بن رشد: القياس على أصولهم أن يحكم بقول القائف الواحد وإن لم يكن عدلا؛ لأنه علم يؤديه وليس من طريق الشهادة كما يقبل قول النصراني الطبيب فيما يحتاج إلى معرفته من ناحية الطب كالعيوب والجراحات، فاشتراط ابن القاسم فيه العدالة استحسان، وقد روى ابن وهب عن مالك إجازة القضاء بقول الواحد منهم ولم يشترط في ذلك