محمد بن أحمد: وهذا كما قال: إن الاختيار ألا يشتروه حتى يفتحوه وينظروا إليه، فإن لم يفعلوا جاز؛ لأنهم إنما اشتروا على ما قد عرفوه وعاينوه، فلا يشبه شراء ذلك على الصفة؛ لأن الشراء على الصفة غرر، إذ لا تقوم الصفة مقام العيان، وإنما جاز عند الضرورة لبيع السلعة الغائبة إذ لا يمكن فيها المعاينة، وكبيع الأحمال على البرنامج [لما في حلها ونشرها على السوام من الضرر على أرباب المتاع] ، [وبالله التوفيق] .
[مسألة: بيع الثياب في الجراب بالبراءة]
مسألة وقال مالك في بيع الثياب في الجراب بالبراءة: لا خير فيه، وهو مما لا يستطاع أن تدرك معرفته، فلذلك رأيت البراءة لا ينتفع بها فيه إلا أن يكون الشيء غير المضر ولا المفسد.
قال محمد بن رشد: يحتمل أن يريد ببيع الثياب في الجراب بيع الأعدال في لفائفها أو أوعيتها على صفة البرنامج، ويحتمل أن يريد بذلك بيع الثوب الرفيع في جرابه الذي يفسده ويغيره إخراجه من جرابه ونشره؛ لأن هذا أجيز بيعه على الصفة لهذه الضرورة على اختلاف في ذلك، وقال: إنه لا خير في البراءة في ذلك من أجل أن معرفته غير مدركة، والمعنى في ذلك: أنه لما كان بيع البراءة إنما جاز من أجل أنه يلزمه أن يبين ما علم ولا يبرأ إلا مما لم يعلم، كره أن يبيع بالبراءة ما يجهل عيوبه، ورأى عيوب الثياب المبيعة على هذه الصفة مما يخفى على البائع ولا تدرك معرفتها فكره البراءة فيها لذلك، وقال: إنها إن وقعت برئ من الشيء اليسير مراعاة لقول من رأى أن البراءة نافعة فيها في القليل والكثير، وهو قول جماعة من السلف وقول ابن وهب من أصحاب مالك واختيار ابن حبيب، وقد كان مالك يراها في الرقيق والحيوان، قاله في موطأه، ثم رجع إلى أنها لا تجوز إلا في الرقيق [وحده] ، وبالله التوفيق.