الشَّمْسُ، خَرَجَ مِنْ تَحْتِهَا، فَطَرَحَ عَلَيْهِ ثَوْبا يَسْتَظلَّ بهِ، فَنَادَاهُ رَجُلٌ: يَا أمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَلْ لَكَ في رَجُلٍ قَدْ رَثَدْتَ حَاجَتَه، وَطَالَ انْتِظَاره؟ فَقَالَ عُمَرُ: مَنْ رَثَدَهَا؟ فَقَالَ: أنْت فما زال القول والمراجعة حتى ضربه بالمحقنة، فأخذ الرجلِ بثوب عمر، وقال: عجلت علي قبل أن تنظر، فإن كنت مظلوماَ رددتني إلى الحق، فقال عمر: صدقت، ثم أخذ عمر بثوب الرجل ثم أعطاه الدِّرة، فقال له: اسْتَقِدْ مِنِّي. فقال الرجل: ما أنا بفاعل، فقال له عمر: واللَّه لتفعلنَّ أو لتفعلن ما يفعل المنصف من حقه. قال الرجل: فإني أعفو قال: فالتفت عمر إلى الرجل من أصحابه، فقال: أنصفت من نفسي قبل أن ينتصف مني. وأنا كاره فلو كنت بالأراك لسمعت خنين ابن الخطاب.
قال محمد بن رشد: هذا من عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نهاية في الخوف والورع للَّه تعالى، إذ لم يضربه متعدياً عليه فيكون القود منه واجباً، وإنما ضربه بالاجتهاد الذي رأى به أن الضرب يجب عليه فإن كان أصاب في اجتهاده، فله أجران، وإن كان أخطأ فله أجر والضرب مع الخطأ في الاجتهاد خطأ والخطأ لا قصاص فيه، إِلَّا أنه خشي أن يكون قد قصر فيما يلزمه، فيكون مسئولاً عن ذلك، فتورع بما فعل لئلا يبقى عليه سؤال ولا تبعة يوم القيامة، والخنين بالخاء المعجمةَ يريد البكاء وقيل الخنين الغنة التي تصير في صوت الباكي، من تردد البكَاء يقال فيه خَنً يَخِنُّ خَنِيناً. وقيل: الخَنين الضحك إذا خرج جافياً والخُنَة ضرب من الغُنَة يقال امرأة خناء وغناء. وباللَّه تعالى التوفيق.