الْمُؤْمِنَ الممدُوحَ إيمَانُه لَا يَكُونُ كَذَّاباً " وهو الذي يغلب عليه. الكذب حتى يعرف وقد كان جباناً وبَخِيلاً. وعن ابن مسعود: إنهُ لَا يَزالُ الْعَبْدُ يَكْذِبُ وَتُنْكَثُ في قلبه نُكْثَةٌ سَوْدَاءُ حًتّى يَسْوَدً قَلْبُه فَيُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ مِن الْكَذَّابينَ. والتوبة منه بالإِقلاع عنه والاستغفار منه. وكذب يتعلق به حق لمخلوق، وهو أَن يكذب الرجل على الرجل، فينسب إليه أنه فعل ما لم يفعل، أو قال ما لم يقل، وهو أشد من الأول، لأن التوبة منه لا تصح، إلا أن يحلله صاحبه، أو يأخذ حقه منه. وكذب فيما لا مضرة فيه على أحد، ويُقصد به وجه من وجوه الخير، وهو الكذب في الحرب والِإصلاح بين الناس وكذب الرجل لامرأته فيما يَعِدُها ليستصلحها، فهذا كله جوزته السنة.
وقيل: إنه لا يباح فيه إلا معاريض الكلام، لا النص بالكذب. والأول أصح، لأن التصريح بالكذب في ذلك جائز، يدل عليه قوله عز وجل حكاية عن إبراهيم:{بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا}[الأنبياء: ٦٣] وقوله في قصة يوسف: {فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ}[يوسف: ٧٠] إلى قوله: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ}[يوسف: ٧٦] وقد قيل: إن معاريض القول جائزة في كل موضع، لما جاء عن بعض السلف إن فيها مندوحة عن الكذب، والذي أقولُ به: إن ذلك مكروه، لما فيه من الألغاز على المخاطب، فيظن أنه قد كذبه، فيعرض نفسه بذلك إلى أن ينسب إليه الكذب، فتركه أحسن، وكذبه في دفع مظلمة عن أحد، مثل أن يختفي رجل عنده ممن يريد قتله أو ضربه، فيسأل هل هو عنده أو يعلم مستقره؟ فيقول: ما هو عندي ولا أعلم مستقره. فهذا الكذب واجب، لما فيه من حقن دم الرجل، أو الدفع عن بشرته. وباللَّه التوفيق.