ما يجب له من الحسنات في الظلامات والتباعات، ويزيد عليها أو ينقص منها، فكان الحظ ألَّا يحلل منها. ووجه القول الثاني: أن التحلل إحسان للمحلل عظيم، وفضل يسديه إليه جسيم، ينبغي عليه المكافأة من الله عزَّ وجلّ، وهو تعالى أَكرم من أن يُكافئه بأقل مما وهب، فإنَّه عزَّ وجلّ يقول:{إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ}[التغابن: ١٧] فهذا القول أظهر والله أعلم.
ووجه تفرقة مالك في هذا بين الظلامات والتباعات ما استدلَّ به قوله:{إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ}[الشورى: ٤٢] فرأَى ترك تحليل المظالم للظالم عقاباً له، هو عليه محمود، لما في ذلك من الِإخافة له، والردع بذلك عن أن يعود إلى مثله، وأما في الدنيا فالعفو والصفح عن الظالم أولى من الانتصار منه بأخذ الحق منه في بدنه أو ما له لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}[الشورى: ٤٠] وقوله: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[آل عمران: ١٣٤] وقوله: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}[الشورى: ٤٣] ولا يعارض هذا قوله عَزَّ وجلّ: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ}[الشورى: ٣٩] ؛ لأن المدحة من الله تعالى، وإن كانت متوجهة بهذه الآية لمن انتصر من بغي عليه بالحق الواجب، ولم يتعد في انتصاره منه وكان مُثاباً على ذلكَ، لما فيه من الردع والزجر، فهو في العفو والصفح أَعظم ثواباً، بدليل قوله بعد ذلك:{فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}[الشورى: ٤٠] . وقيل: