قال محمد بن رشد: الرجل المذكور في الحديث هو أسامة بن زيد، وذلك أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعثه في جيش إلى الحراقات من جهينة، فكان من أمره مع المشرك ما ذكره في الحديث، فعنّفه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على قتله بعد أن قال: لا إله إلا الله، وعذره باجتهاده فلم تنحط بذلك مرتبته عنده لأنه اجتهد فأخطأ، فكان له في ذلك أجر، على ما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أن «القاضي إذا اجتهد فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر» .
وإنما عنفه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأنه ترك الاحتياط، إذ كان الاحتياط ترك قتله وإن كان أداه اجتهاده إلى إجازة قتله، فلم يكن كمن قتل مسلماً عمداً فيأثم في قتله، ولا كمن قتله خطأ فيكون عليه في قتله ما على قاتل الخطأ من الكفارة والدية على العاقلة.
ويحتمل أن يكون تأول في الاجتهاد قول اللَّه عز وجل:{فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا}[غافر: ٨٤] الآية إلى قوله: {فِي عِبَادِهِ}[غافر: ٨٥] أي الذين تقدموا ذلك الزمان كفرعون في قوله لما أدركه الغرق: {قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[يونس: ٩٠] . فأجيب عن ذلك بأن قيل له:{آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}[يونس: ٩١] . فأعلم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأن مجيء البأس من اللَّه بخلاف مجيئة من الناس.
وقد روي «عن خالد بن الوليد أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعثه إلى ناس من خثعم فاستعصموا بالسجود فقتلهم، فودّاهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنصف الدية ثم قال: أنا بريء من كل مسلم مع مشرك لا تراءى نارهما»(كذا) . وإنما وداهم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بما ودّاهم به تطوعاً منه وتفضلًا عليهم واستئلافاً لمن سواهم، إذا لم يكن قتلهم من الخطأ الذي تكون فيه الدية والكفارة، وإنما كان باجتهاد من خالد بن الوليد في قتلهم كما فعل في بني